Spread the love

في ظل تصاعد أزمة المناخ والبحث عن بدائل مستدامة للوقود الأحفوري، يواجه العالم معضلة اختيار مصدر الطاقة الأمثل للمستقبل. في حين يرى البعض أن الطاقة النووية هي الخيار الأكثر كفاءة بسبب قدرتها على إنتاج كميات هائلة من الكهرباء دون انبعاثات كربونية، يفضل آخرون الطاقة الشمسية بوصفها مصدراً نظيفاً ومتجدداً وغير مكلف على المدى الطويل. هذا الجدل لا يقتصر على الدول الصناعية الكبرى، بل يطال أيضاً العالم العربي، حيث بدأت بعض الدول في تبني مشاريع نووية ضخمة، بينما تتجه أخرى إلى استثمار أوسع في الطاقة الشمسية. لكن أي الخيارين هو الأفضل؟ وهل يمكن أن يكون أحدهما بديلاً عن الآخر، أم أن الجمع بينهما هو الحل الأكثر واقعية؟

الطاقة النووية: خيار آمن أم مخاطرة غير محسوبة؟

رغم الجدل الدائر حول الأمان البيئي للمفاعلات النووية، إلا أن العديد من الدول تعتبرها مصدراً أساسياً للطاقة منخفضة الكربون. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن محطات الطاقة النووية مسؤولة عن توليد حوالي 10% من إجمالي الكهرباء في العالم، مع اعتماد بعض الدول، مثل فرنسا، على الطاقة النووية لتلبية أكثر من 70% من احتياجاتها الكهربائية. في المنطقة العربية، يعد مشروع “براكة” في الإمارات أول محطة نووية سلمية في العالم العربي، ومن المتوقع أن يغطي 25% من احتياجات البلاد من الكهرباء عند تشغيله بالكامل. كما أعلنت السعودية عن نيتها إنشاء عدد من المفاعلات النووية، في إطار خطتها لتنويع مصادر الطاقة.

لكن الاعتماد على الطاقة النووية لا يخلو من التحديات. المخاوف المتعلقة بالأمان النووي لا تزال قائمة، خاصة بعد كوارث مثل تشيرنوبل في 1986 وفوكوشيما في 2011، حيث تسببت التسريبات الإشعاعية في أضرار بيئية وصحية كارثية. الدكتور هشام العلي، الخبير في هندسة الطاقة النووية وأستاذ الفيزياء النووية في جامعة بغداد، يرى أن “الخوف من الطاقة النووية ناتج عن الحوادث الكبرى التي حدثت في الماضي، لكن التكنولوجيا النووية الحديثة باتت أكثر أماناً مع تطوير أنظمة تبريد متطورة وتقنيات لتقليل المخاطر”. لكنه يشير إلى أن “التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في تبني الطاقة النووية ليس فقط المخاوف الأمنية، بل أيضاً التكلفة العالية لإنشاء وتشغيل المفاعلات، إضافة إلى التحديات المرتبطة بإدارة النفايات النووية، التي قد تشكل خطراً بيئياً طويل الأمد”.

الطاقة الشمسية: إمكانات هائلة ولكنها غير مستقرة

على الجانب الآخر، تبدو الطاقة الشمسية خياراً أكثر أماناً واستدامة، خاصة في الدول العربية التي تمتلك معدلات إشعاع شمسي مرتفعة على مدار العام. وفقاً لتقرير صادر عن “وكالة الطاقة المتجددة الدولية” عام 2023، فإن الطاقة الشمسية أصبحت المصدر الأسرع نمواً لإنتاج الكهرباء، حيث تمثل حالياً أكثر من 15% من إنتاج الكهرباء العالمي، ومن المتوقع أن تصل إلى 30% بحلول 2050. المغرب كان من أوائل الدول العربية التي تبنت الطاقة الشمسية على نطاق واسع، حيث أطلقت مشروع “نور ورزازات”، وهو واحد من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم. كما تستثمر السعودية في مشروع “سدير للطاقة الشمسية”، الذي يهدف إلى إنتاج 1.5 جيجاواط من الكهرباء، ضمن خطتها لزيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 50% بحلول 2030.

رغم هذه الإمكانات، لا تزال الطاقة الشمسية تواجه تحديات كبيرة. أحد أبرز العوائق هو أن إنتاجها يعتمد على ضوء الشمس، مما يعني أنها غير متاحة ليلاً أو خلال فترات الطقس الغائم، ما يجعل الحاجة إلى تخزين الطاقة أمراً ضرورياً. الدكتور أحمد إبراهيم، الباحث في هندسة الطاقة المتجددة في جامعة عين شمس، يوضح أن “التكنولوجيا الحديثة، مثل البطاريات المتطورة وتخزين الطاقة الحرارية، ساعدت في تقليل مشكلة عدم استقرار الطاقة الشمسية، لكنها لا تزال غير قادرة على توفير بديل كامل عن مصادر الطاقة التقليدية أو النووية”. كما يشير إلى أن “بناء محطات الطاقة الشمسية على نطاق واسع يتطلب مساحات شاسعة من الأراضي، وهو ما قد يكون تحدياً في بعض الدول ذات الكثافة السكانية العالية”.

التكاليف والاستدامة: أيهما الخيار الأفضل؟

عند الحديث عن التكاليف، تبدو الطاقة الشمسية أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية، حيث انخفضت تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بنسبة 80% خلال العقد الماضي، وفقاً لتقرير صادر عن “وكالة الطاقة الدولية”. بينما تحتاج المفاعلات النووية إلى استثمارات ضخمة في البناء والتشغيل، فإن الطاقة الشمسية يمكن تركيبها بتكاليف أقل، وتكون جاهزة للإنتاج في فترة زمنية قصيرة مقارنة بالمفاعلات النووية التي تحتاج إلى سنوات قبل أن تبدأ في العمل.

لكن الطاقة النووية تمتاز بأنها توفر مصدراً ثابتاً ومستقراً للكهرباء، بغض النظر عن الظروف الجوية، مما يجعلها خياراً مثالياً للدول التي تحتاج إلى مصدر طاقة موثوق لتلبية الطلب المتزايد. يرى الدكتور كريم الدالي، أستاذ الاقتصاد البيئي في جامعة بيروت، أن “النقاش حول الطاقة النووية مقابل الطاقة الشمسية يجب ألا يكون حول أيهما أفضل بالمطلق، بل حول كيفية الجمع بينهما لتحقيق مزيج طاقي مستدام”. ويضيف أن “أفضل استراتيجية للطاقة في العالم العربي يجب أن تعتمد على مزيج من الطاقة النووية والطاقة الشمسية، حيث يمكن استخدام المحطات النووية لتوفير الكهرباء بشكل مستمر، بينما يمكن للطاقة الشمسية أن تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري خلال فترات النهار”.

من الواضح أن الطاقة النووية والطاقة الشمسية لكل منهما ميزاتها وعيوبها، ولا يمكن لأي منهما أن يكون بديلاً كاملاً عن الآخر. في حين أن الطاقة النووية توفر استقراراً وموثوقية، فإن الطاقة الشمسية تقدم حلاً منخفض التكلفة وصديقاً للبيئة. الواقع يشير إلى أن الدول التي تسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني تحتاج إلى تبني مزيج طاقي متنوع، يجمع بين الطاقة النووية والطاقة المتجددة، مع تطوير تقنيات التخزين والطاقة الهجينة لضمان استدامة الإمدادات الكهربائية.

لكن يبقى السؤال: هل تمتلك الدول العربية الإرادة والقدرة المالية والتكنولوجية لتطبيق هذا المزيج الطاقي؟ مع استمرار الاستثمارات في كلا المجالين، يبدو أن المستقبل سيشهد سباقاً بين الطاقة النووية والطاقة الشمسية، وقد يكون الحل النهائي هو التوازن بين الاثنين بدلاً من اختيار أحدهما على حساب الآخر. في نهاية المطاف، يظل القرار بيد الحكومات والجهات الفاعلة في قطاع الطاقة، التي يجب أن تضع في اعتبارها ليس فقط الاستدامة البيئية، ولكن أيضاً الجدوى الاقتصادية والأمان الطاقي في عالم يشهد تحولات جذرية في سياسات الطاقة.

error: Content is protected !!