Spread the love

لطالما كان الإعلام واحدًا من أقوى الأدوات في تشكيل صورة المرأة في المجتمع، لكن السؤال الذي يظل مطروحًا هو: هل ساهم الإعلام العربي في تمكين النساء، أم أنه لا يزال يعيد إنتاج الصور النمطية التقليدية عنهن؟

في الوقت الذي تحظى فيه النساء بحضور بارز في الإعلام، سواء كمذيعات، أو ممثلات، أو حتى محللات سياسيات، فإن طريقة عرضهن لا تزال محكومة بمعايير اجتماعية وجندرية محددة، حيث تُقدَّم المرأة في كثير من الأحيان كديكور جمالي أكثر منها صاحبة رأي ومحتوى.

لكن كيف تغيرت صورة المرأة في الإعلام العربي خلال السنوات الأخيرة؟ وهل حققت النساء تقدمًا حقيقيًا في صناعة الإعلام، أم أنهن ما زلن مقيدات بقوالب نمطية تخدم المصالح التجارية والسياسية أكثر من خدمة قضاياهن؟

كيف يتم تمثيل المرأة في الإعلام العربي؟

رغم التطور الحاصل في وسائل الإعلام، لا تزال صورة المرأة في الإعلام العربي تتأرجح بين التمكين الشكلي والتهميش الفعلي. ويمكن تصنيف تمثيل النساء في الإعلام العربي إلى أربعة أنماط رئيسية:

المرأة كواجهة جمالية
في كثير من القنوات التلفزيونية، يتم اختيار المذيعات بناءً على معايير جمالية أكثر من التركيز على الكفاءة المهنية.
هذا الاتجاه يجعل الإعلام يرسّخ فكرة أن المرأة هي عنصر بصري لجذب الجمهور، بدلًا من كونها صانعة محتوى وقائدة رأي.

المرأة كضحية أو عنصر درامي
في الدراما التلفزيونية، لا تزال النساء يُقدَّمن في الغالب كضحايا للظلم، أو العنف الأسري، أو الخيانة، وكأن الأنوثة مرتبطة بالضعف والمعاناة.
نادرًا ما يتم تقديم نماذج نسائية قوية ومستقلة في المسلسلات العربية دون ربطها بالعنف أو الانتقام.

المرأة في الأدوار التقليدية فقط
غالبًا ما يتم التركيز على المرأة كأم، أو زوجة، أو ربة منزل، بينما يتم إهمال النساء في المجالات المهنية والعلمية.
الإعلام لا يزال يظهر الرجل كصانع قرار وقائد، بينما يتم حصر النساء في دور المساعد أو الداعم.

المرأة كسلعة إعلانية
تستخدم النساء بكثافة في الإعلانات التجارية، سواء في ترويج منتجات التجميل أو الأدوات المنزلية، مما يعزز الصورة النمطية بأن دور المرأة يقتصر على العناية بالمظهر أو أداء الأعمال المنزلية.
حتى عندما يتم تسويق منتجات غير متعلقة بالنساء، غالبًا ما يتم إقحام عنصر الأنوثة بطريقة تجعل المرأة مجرد أداة تسويقية.

هل تمكنت النساء من الوصول إلى مواقع القرار في الإعلام؟

رغم وجود نساء بارزات في الإعلام العربي، إلا أن عدد النساء في المناصب القيادية داخل المؤسسات الإعلامية لا يزال محدودًا للغاية.

تشير التقارير إلى أن النساء يشغلن أقل من 20% من المناصب العليا في وسائل الإعلام العربية، رغم أنهن يشكلن نسبة كبيرة من العاملين في القطاع.
هناك نقص واضح في عدد النساء اللواتي يشغلن مواقع صنع القرار الإعلامي، مثل رئاسة التحرير، أو إدارة القنوات والصحف.
غالبًا ما يتم استبعاد النساء من الإعلام السياسي أو الاقتصادي، حيث لا تزال هذه المجالات تُعتبر حكرًا على الرجال.

تقول الباحثة الإعلامية رُبى الحسن، المتخصصة في قضايا الإعلام والجندر، إن “الإعلام العربي نجح في إعطاء النساء مساحة أمام الكاميرا، لكنه فشل في تمكينهن وراء الكاميرا. لا تزال القرارات الكبرى في يد الرجال، ولا تزال النساء يُستخدمن كأداة لجذب المشاهدين أكثر من كونهن صانعات تغيير حقيقي في المحتوى الإعلامي.”

كيف يؤثر الإعلام على الوعي المجتمعي بقضايا المرأة؟

الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو الترفيه، بل هو أداة قوية تؤثر على القيم الاجتماعية والثقافية. وعندما يتم تقديم المرأة بطريقة نمطية، فإن ذلك يؤثر سلبًا على نظرة المجتمع إليها. ومن أبرز المشكلات التي يكرسها الإعلام في هذا السياق:

تعزيز الصورة النمطية للمرأة
عندما يُظهر الإعلام النساء كـ”كائنات ضعيفة” أو كـ”زينة”، فإنه يرسّخ الفكرة بأن المرأة لا يمكن أن تكون قائدة أو مؤثرة.

إضعاف قضايا المرأة في الأجندة الإعلامية
رغم أهمية القضايا النسوية، لا تزال وسائل الإعلام تتجاهل العديد من الملفات المهمة، مثل حقوق النساء القانونية، والمساواة في الأجور، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
يتم التعامل مع قضايا النساء كـ”ملفات ثانوية”، بينما يتم تسليط الضوء على قضايا أخرى يُنظر إليها على أنها أكثر أهمية.

تحويل النسوية إلى موضوع مثير للجدل
في بعض البرامج، يتم تشويه صورة النسوية وتقديمها على أنها حركة تهدد “التقاليد والقيم”، مما يجعل المطالبة بحقوق النساء تبدو وكأنها قضية خلافية بدلًا من كونها مطلبًا حقوقيًا مشروعًا.

كيف يمكن تحسين صورة المرأة في الإعلام العربي؟

لجعل الإعلام أكثر عدالة وإنصافًا للمرأة، يجب اتخاذ خطوات جادة، منها:

زيادة عدد النساء في المناصب القيادية الإعلامية
تمكين النساء من شغل مواقع صنع القرار سيضمن إنتاج محتوى أكثر توازنًا يعكس واقع النساء بموضوعية.

إعادة صياغة المحتوى الدرامي والإعلاني
يجب أن تقدم الدراما شخصيات نسائية قوية ومستقلة ومتنوعة، بعيدًا عن القوالب النمطية السائدة.
الحد من استخدام النساء كأدوات تسويقية في الإعلانات، والتركيز على تمثيلهن بطرق أكثر احترامًا وإنصافًا.

تحقيق التنوع في تغطية قضايا المرأة
يجب أن تتناول وسائل الإعلام قضايا النساء بشكل أكثر جدية، مثل التمييز في العمل، والحقوق القانونية، والعنف الأسري، والصحة الإنجابية.

تشجيع الصحفيات على العمل في مجالات غير تقليدية
دعم الصحفيات والكاتبات للعمل في مجالات السياسة، الاقتصاد، التكنولوجيا، والتحقيقات الاستقصائية، بدلًا من حصرهن في مجالات “اللايف ستايل” أو القضايا الاجتماعية فقط.

رغم التحولات التي شهدها الإعلام العربي، لا تزال صورة المرأة فيه تخضع لمعايير غير منصفة، حيث يتم استغلال وجودها لتحقيق نسب مشاهدة عالية بدلًا من تمكينها كمساهمة حقيقية في الإنتاج الإعلامي. إن تغيير هذه الصورة يتطلب إصلاحات عميقة في صناعة الإعلام، تشمل التشريعات، والسياسات التحريرية، والمحتوى الإعلامي نفسه.

ويبقى السؤال: هل يمكن أن يصبح الإعلام العربي أداة لتمكين النساء فعليًا، أم أنه سيظل مجرد مرآة تعكس التحيزات الاجتماعية السائدة؟

error: Content is protected !!