هل لا تزال المرأة في العالم العربي تُعامل كعنصر مكمل في صناعة الفنون، أم أنها استطاعت أن تفرض نفسها كمبدعة وصاحبة رؤية؟ لماذا تواجه المخرجات وكاتبات السيناريو عقبات أكبر من نظرائهن الرجال؟ كيف يتم تصوير النساء في السينما والموسيقى، وهل تعكس هذه الصور واقعهن الحقيقي أم أنها استمرار لقوالب نمطية ترسّخ الذكورية في الفنون؟
صورة المرأة في السينما: بين التهميش والاستغلال
رغم أن السينما العربية شهدت تطورًا ملحوظًا في العقود الأخيرة، إلا أن صورة المرأة في الأفلام لا تزال في كثير من الأحيان محصورة في أدوار نمطية. تُصوَّر النساء غالبًا كضحايا، أو كإغراء بصري، أو ككائنات غير قادرة على تحقيق ذاتها إلا من خلال الرجل. الأفلام التي تُخرِجها نساء أو التي تعتمد على نصوص نسوية نادرة مقارنة بتلك التي يهيمن عليها الرجال.
تقرير صادر عن المركز العربي لدراسات السينما عام 2023 كشف أن 80% من الأفلام العربية المنتجة خلال العقد الأخير كانت من إخراج رجال، بينما لم تتجاوز نسبة كاتبات السيناريو 15%، مما يعكس استمرار الفجوة الجندرية في هذه الصناعة. رغم أن هناك مخرجات بارزات في المنطقة، مثل نادين لبكي في لبنان وكوثر بن هنية في تونس، إلا أن تمثيل النساء في الإخراج يظل محدودًا، ويُنظر إليهن أحيانًا كحالات استثنائية بدلاً من كونهن جزءًا طبيعيًا من الصناعة.
المخرجة المصرية رُنا السالمي، التي واجهت صعوبات في إنتاج أول أفلامها، تقول إن السينما العربية لا تزال بيئة ذكورية، حيث يُشكك المنتجون في قدرة النساء على إدارة مشاريع سينمائية كبيرة. عندما تدخل المرأة مجال الإخراج، غالبًا ما يُتوقع منها تقديم أعمال ذات طابع اجتماعي أو درامي، بينما تبقى أفلام الأكشن والسياسة والتاريخ حكرًا على الرجال.
في عالم الموسيقى، تواجه النساء تحديات مختلفة لكنها لا تقل قسوة عن تلك الموجودة في السينما. رغم وجود مغنيات شهيرات في العالم العربي، إلا أنهن غالبًا ما يُجبرن على اتباع نمط معين من الغناء حتى يحققن النجاح. الأغاني التي تُقدَّم من منظور نسوي، أو التي تتحدى الصور النمطية عن المرأة، نادرة وتواجه انتقادات عنيفة.
في بعض الدول، لا تزال النساء ممنوعات من الغناء أو يواجهن قيودًا اجتماعية ودينية تمنعهن من ممارسة الفن بحرية. في السعودية، ورغم الانفتاح الأخير، لا تزال هناك أصوات تعارض دخول النساء إلى مجال الغناء الاحترافي. في العراق، تواجه المغنيات تهديدات مباشرة إذا قدمن أعمالًا تتحدى الأعراف التقليدية. في الجزائر، هناك محاولات لتقييد حرية الفنانات اللواتي يخترن تقديم موسيقى غير تقليدية، مثل الراب أو الروك.
تقول المغنية اللبنانية داليا قاسم، التي تعرضت لحملة انتقادات بسبب أغنية تحدثت عن الاستقلال الاقتصادي للمرأة، إن المشكلة ليست فقط في المجتمع، بل في صناعة الموسيقى نفسها التي لا تزال تفضّل الأغاني العاطفية التقليدية على أي عمل يحمل طابعًا تحرريًا أو نقديًا. عندما تحاول المرأة تقديم فن يُعبّر عن قضاياها الحقيقية، يتم تصنيفها فورًا على أنها “متمردة” أو “مستفزة”، مما يجعل العديد من الفنانات يخترن البقاء في الإطار الآمن بدلاً من مواجهة الهجوم العنيف.
النساء خلف الكواليس: لماذا لا نرى مخرجات وموسيقيات بارزات؟
إلى جانب الفنانات اللواتي يظهرن في الواجهة، تعاني النساء العاملات خلف الكواليس من نقص كبير في الفرص. في السينما، لا تزال نسبة المونتيرات ومديرات التصوير والمنتجات أقل بكثير من الرجال، رغم أن بعضهن أثبتن قدرة كبيرة على الإبداع. في مجال الموسيقى، تبقى الملحنات والموزعات الموسيقيات في الظل، حيث تسيطر الأسماء الذكورية على المشهد بالكامل.
في المغرب، رغم وجود عدد من الملحنات الموهوبات، إلا أن صناعة الموسيقى تظل حكراً على الرجال، حيث يتم تهميش الملحنات أو إجبارهن على العمل في الظل دون أن تُذكر أسماؤهن. في مصر، تواجه الموسيقيات صعوبة في إيجاد دعم لإنتاج أعمال مستقلة بعيدًا عن سيطرة شركات الإنتاج الكبرى، التي تفضّل التعامل مع الرجال.
الموسيقية التونسية ليلى بن جمعة، التي تعمل في التوزيع الموسيقي، تؤكد أن هناك تحيّزًا واضحًا ضد النساء في مجال الإنتاج الموسيقي، حيث يُنظر إليهن على أنهن أقل خبرة أو قدرة على التعامل مع الجوانب التقنية للموسيقى. بعض المنتجين يرفضون العمل مع النساء في هذا المجال، بحجة أن “السوق لا يتقبل” وجود نساء في الأدوار التقنية خلف الكواليس.
رغم كل هذه التحديات، بدأت بعض النساء في كسر الحواجز ودخول مجالات كانت تعتبر حكرًا على الرجال. في السنوات الأخيرة، ظهرت أفلام وموسيقى من إنتاج نساء استطعن فرض أنفسهن رغم العقبات. لكن هذه النجاحات لا تزال فردية، ولا تعكس تحوّلًا حقيقيًا في البنية الذكورية لصناعة الفنون.
الخبيرة الثقافية الأردنية هند عباد ترى أن الحل يكمن في تعزيز الدعم المؤسسي للنساء في الفنون، سواء من خلال منح إنتاج خاصة بالمخرجات وكاتبات السيناريو، أو عبر تشجيع صناعة موسيقية أكثر تنوعًا تتيح للنساء الفرصة للتجريب والتعبير بحرية.
كما أن المنظمات الثقافية والسينمائية يجب أن تعمل على تقديم منح وفرص تدريب للنساء في الأدوار التقنية، بحيث يتم كسر الصورة النمطية التي تربط هذه الأدوار بالرجال فقط.
بين السينما والموسيقى، لا تزال النساء يواجهن تمييزًا ممنهجًا يحرمهن من فرص عادلة للتعبير والإبداع. رغم أن بعضهن نجحن في فرض أنفسهن، إلا أن صناعة الفنون لا تزال تحت سيطرة الذكور، حيث يتم تحديد أدوار النساء في هذه المجالات بناءً على معايير ذكورية تحدّ من حريتهن في الابتكار.
السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل يمكن أن تشهد صناعة الفنون في العالم العربي تحوّلًا يسمح للنساء بأخذ أماكنهن الطبيعية كمبدعات وصانعات قرار، أم أن الذكورية ستظل تتحكم في من يُسمَح له بالتألق في المشهد الفني؟