Spread the love

رغم أن الفقر مشكلة عالمية تؤثر على جميع الفئات، إلا أن النساء هن الأكثر تأثرًا به، حيث يعانين من مستويات فقر أعلى مقارنة بالرجال بسبب التمييز الجندري، وقلة الفرص الاقتصادية، والمسؤوليات الأسرية غير المدفوعة. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2023، فإن النساء يشكلن 70% من فقراء العالم، ويواجهن صعوبة في الوصول إلى الموارد المالية، وامتلاك الأراضي، والتعليم، مما يرسخ حلقة مفرغة من الفقر والتهميش.

في المجتمعات العربية، تتفاقم هذه الأزمة بسبب التقاليد الاجتماعية التي تضعف استقلالية المرأة الاقتصادية، وتجعلها تعتمد على الرجل ماليًا، مما يزيد من هشاشتها الاقتصادية، خاصة في حالات الطلاق، الترمل، أو فقدان العائل. لكن لماذا يستمر الفقر المدقع في التأثير على النساء بشكل أعمق؟ وهل يمكن كسر هذه الحلقة؟

التعليم والعمل: كيف تعيق الفجوة الجندرية خروج النساء من الفقر؟

يعتبر التعليم من أهم العوامل التي تحدد فرص المرأة في الهروب من الفقر، إلا أن ملايين الفتيات في العالم العربي والعالم النامي لا يحصلن على حقهن الكامل في التعليم، إما بسبب الفقر، أو الزواج المبكر، أو العادات التي تفضل تعليم الذكور على الإناث.

تشير الباحثة الأردنية نسرين الكيلاني، المتخصصة في التنمية الاقتصادية والجندر، إلى أن “التعليم هو المفتاح الأساسي للخروج من دائرة الفقر، لكن النساء والفتيات يواجهن عوائق كبيرة تمنعهن من الوصول إلى التعليم الجيد. في بعض المجتمعات الريفية، لا تزال العائلات ترى أن تعليم الفتاة ‘غير ضروري’، خاصة إذا كان مستقبلها مرتبطًا بالزواج، وليس بالعمل.”

وتضيف أن “حتى عندما تحصل النساء على التعليم، فإنهن يواجهن صعوبة في دخول سوق العمل بسبب التمييز الجندري، حيث يتم دفعهن إلى وظائف منخفضة الأجر، أو وظائف غير رسمية تفتقر إلى الحماية القانونية.”

أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل النساء أكثر فقرًا من الرجال هو أنهن يشغلن نسبة كبيرة من العمل غير الرسمي، الذي يفتقر إلى العقود القانونية، والتأمين الصحي، والرواتب العادلة. في العديد من الدول العربية، تعمل النساء في الخياطة، الزراعة، الخدمات المنزلية، والأسواق غير المنظمة، دون أي ضمان اجتماعي أو أمان اقتصادي.

يقول الباحث المصري محمود زهران، المختص في الاقتصاد الاجتماعي، إن “الاقتصاد غير الرسمي يستغل النساء بطريقة ممنهجة، حيث يعملن لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة، ودون أي حقوق قانونية. هذا يعني أن المرأة تبقى عالقة في دائرة الفقر، لأن عملها لا يمنحها أي استقرار مالي على المدى الطويل.”

ويضيف أن “إحدى المشكلات الكبرى هي أن القوانين في العديد من الدول العربية لا تحمي النساء العاملات في الاقتصاد غير الرسمي، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال الاقتصادي، والانتهاكات العمالية.”

الفجوة في الأجور: لماذا تكسب النساء أقل من الرجال؟

حتى في القطاعات الرسمية، لا تزال النساء يتقاضين رواتب أقل من الرجال عند القيام بنفس العمل. وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023، فإن النساء في العالم العربي يكسبن ما بين 60-70% فقط من دخل الرجال، حتى عندما يحملن نفس المؤهلات والخبرات.

تشير نسرين الكيلاني إلى أن “الفجوة في الأجور ليست مجرد مشكلة اقتصادية، بل هي انعكاس للتمييز الجندري في سوق العمل. الشركات لا تزال ترى أن الرجل هو ‘المعيل الأساسي’ للأسرة، بينما يُنظر إلى دخل المرأة على أنه ‘إضافي’، مما يبرر دفع أجور أقل لهن.”

وتضيف أن “بعض النساء يضطررن إلى قبول رواتب أقل بسبب قلة الفرص المتاحة، أو بسبب غياب التشريعات التي تحمي حقوقهن في الحصول على أجر متساوٍ.”

تتحمل النساء غالبية المسؤوليات العائلية، مثل تربية الأطفال، ورعاية المسنين، والقيام بالأعمال المنزلية، مما يجعل من الصعب عليهن تحقيق استقلال مالي. في بعض الدول، لا تزال إجازة الأمومة غير مدفوعة أو محدودة، مما يجعل النساء يواجهن خيارات صعبة بين رعاية أسرهن أو الحفاظ على وظائفهن.

يقول محمود زهران إن “العمل غير المدفوع الذي تقوم به النساء داخل الأسرة لا يتم احتسابه كجزء من الاقتصاد، رغم أنه يشكل عنصرًا أساسيًا في استقرار المجتمعات. في بعض الدول المتقدمة، يتم تقديم تعويضات أو دعم مالي للأمهات العاملات، لكن في العالم العربي، لا تزال هذه الفكرة غائبة تمامًا.”

ويضيف أن “غياب الدعم للأمهات، سواء من خلال سياسات حكومية أو من خلال تقسيم أكثر عدالة للأدوار داخل الأسرة، يجعل النساء أكثر عرضة للبقاء في الفقر، خاصة إذا كنّ أمهات عازبات أو مطلقات.”

كيف يمكن كسر حلقة الفقر النسوي؟

لمواجهة الفقر المدقع الذي يؤثر على النساء بشكل خاص، هناك عدة استراتيجيات يمكن تبنيها:

ضمان حصول الفتيات على التعليم، من خلال سياسات حكومية تمنع التسرب المدرسي، وتوفر الدعم المالي للعائلات الفقيرة لضمان تعليم بناتهن.
إصلاح قوانين العمل لضمان المساواة في الأجور، ومنح العاملات في القطاع غير الرسمي حقوقًا قانونية وحماية اجتماعية.
توفير دعم مالي للأمهات العاملات، من خلال منح إجازات أمومة مدفوعة، وتوفير خدمات رعاية أطفال بأسعار معقولة.
تعزيز المشاريع النسائية، عبر تقديم تمويل للمشاريع الصغيرة التي تديرها النساء، ودعم ريادة الأعمال النسوية كوسيلة للخروج من الفقر.

رغم العقبات التي تواجهها النساء في سوق العمل والاقتصاد، فإن العديد من النساء في العالم العربي والعالم النامي أثبتن قدرتهن على تجاوز هذه التحديات من خلال التعليم، والريادة الاقتصادية، والمطالبة بحقوقهن في سوق العمل. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق تغيير جذري دون إصلاحات قانونية واجتماعية تضمن للنساء فرصًا متكافئة في الاقتصاد، وتجعل الفقر مشكلة مجتمعية، لا عبئًا تتحمله النساء وحدهن.

ويبقى السؤال: هل يمكن أن يشهد العالم العربي تحولًا اقتصاديًا يتيح للنساء الخروج من الفقر، أم أن التمييز الجندري في الاقتصاد سيظل عقبة أمام تحقيق العدالة الاقتصادية؟

error: Content is protected !!