Spread the love

تشهد العلاقات السعودية-الإيرانية تحولاً كبيراً يعكس تغيرات جوهرية في المشهد الدبلوماسي للشرق الأوسط. فاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد سنوات من التوتر يُعد نقطة مفصلية تؤثر على التوازنات الإقليمية. ما الذي تعنيه هذه المصالحة؟ وما هي تداعياتها على الأمن والاستقرار الإقليمي؟

منذ انقطاع العلاقات في 2016 بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران، شكلت التوترات بين الرياض وطهران محوراً أساسياً في الصراعات الإقليمية. هذه التوترات انعكست بشكل مباشر في اليمن وسوريا ولبنان، حيث دعمت كل من السعودية وإيران أطرافاً متنافسة.

إعادة فتح السفارات واستئناف العلاقات لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة جهود دبلوماسية مكثفة، بوساطة صينية، لرأب الصدع بين البلدين. هذه الخطوة تشير إلى اعتراف البلدين بأن المواجهة المباشرة أضعفت استقرارهما الإقليمي وأثرت على قدرتهما على التعامل مع التحديات الداخلية والدولية.

إعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن استئناف العلاقات يمثل نقطة مفصلية للأمن الإقليمي يعكس تحولاً في الأولويات السعودية. المملكة تدرك أن تقليص التوتر مع إيران يعزز الاستقرار الإقليمي، خصوصاً في ظل التحديات المشتركة مثل الإرهاب، تهريب الأسلحة، وأمن الممرات البحرية.

تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران يمثل خطوة استراتيجية لتحفيز التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين. هذا التعاون يعزز اقتصاديات الطرفين، خاصة أن كلا البلدين يواجه تحديات اقتصادية تتطلب شراكات إقليمية لتخفيف الضغوط.

تعكس المصالحة رؤية استراتيجية سعودية وإيرانية لتقليل الاعتماد على القوى الدولية في حل النزاعات الإقليمية. بوساطة الصين، تُظهر هذه المصالحة تحولاً نحو تعزيز العلاقات بين دول المنطقة بعيداً عن التدخلات الغربية

المصالحة قد تُمهّد الطريق لحل سياسي في اليمن، حيث يمكن أن تسهم التهدئة بين الرياض وطهران في دفع الحوثيين إلى التفاوض مع الحكومة اليمنية. هذا التطور يمكن أن يكون عاملاً أساسياً لإنهاء واحدة من أكثر الحروب تكلفة في المنطقة.

التقارب السعودي-الإيراني قد يفتح المجال لتفاهمات جديدة في الساحة السورية واللبنانية. في سوريا، قد يساهم هذا التقارب في تعزيز استقرار النظام وإعادة الإعمار. أما في لبنان، فقد يؤدي إلى تهدئة الصراعات السياسية المتأثرة بالمحاور الإقليمية.

تعزز المصالحة التوازن الإقليمي بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط، مما يتيح مزيداً من التعاون لمواجهة التحديات المشتركة مثل التغير المناخي، الأمن الغذائي، وأزمات الطاقة.

رغم الخطوات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات تعرقل تحقيق المصالحة الكاملة، فهناك تاريخ طويل من التوترات يجعل بناء الثقة الكاملة بين الطرفين تحدياً كبيراً. كذلك فإن المصالح المتضاربة في العراق، سوريا، ولبنان قد تعيق تحقيق تعاون شامل. وهناك القوى الدولية التي قد تسعى لتعطيل المصالحة للحفاظ على نفوذها في المنطقة.

فهل يمكن للمصالحة السعودية-الإيرانية أن تُفضي إلى حل شامل للأزمات الإقليمية؟ و كيف ستتعامل القوى الدولية مع تقارب قد يقلل من نفوذها في الشرق الأوسط؟ وهل سيؤدي هذا التقارب إلى تعاون طويل الأمد أم أنه مجرد هدنة مؤقتة؟

المصالحة السعودية-الإيرانية ليست مجرد خطوة دبلوماسية، بل تعكس تحولاً في الفكر السياسي والإستراتيجي في الشرق الأوسط. في ظل عالم متغير، قد يكون هذا التقارب مقدمة لنظام إقليمي أكثر استقراراً وتعاوناً، لكن نجاحه يعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز العقبات وبناء جسور الثقة لمواجهة تحديات مشتركة تهدد المنطقة بأكملها.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!