Russian President Vladimir Putin and German Chancellor Olaf Scholz attend a joint news conference in Moscow, Russia February 15, 2022. Sputnik/Sergey Guneev/Kremlin via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY.
Spread the love

مع اقتراب الذكرى الثانية للحرب الروسية-الأوكرانية، تبرز دعوات متزايدة في أوروبا والعالم لإيجاد مخرج سياسي للأزمة، لكن الموقف الألماني يظل رافضاً لأي مفاوضات مع موسكو ما دامت الأخيرة متمسكة بنهجها العسكري. تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي أكدت خلالها أن “بوتين لا يريد التفاوض من أجل إحلال السلام”، تعكس إصرار برلين على استمرار الدعم الغربي لكييف وعدم منح روسيا أي مكاسب دبلوماسية.

لكن هذه التصريحات تطرح تساؤلات جوهرية: هل يعكس هذا الموقف استراتيجية ثابتة لألمانيا، أم أنه مجرد تعبير عن سياسات ظرفية مرتبطة بالتوجهات الأوروبية؟ وهل يمكن أن تصمد برلين في موقفها الرافض للمفاوضات، أم أن الضغوط الاقتصادية والعسكرية قد تدفعها نحو تغيير مقاربتها للصراع؟

منذ بداية الحرب، تبنت ألمانيا موقفاً داعماً لأوكرانيا، لكنه لم يكن بنفس حدة الموقف الأمريكي أو البريطاني، حيث كانت هناك hesitations واضحة داخل الأوساط السياسية الألمانية بشأن تزويد كييف بالأسلحة الثقيلة. لكن مع تصاعد الحرب وتزايد المخاوف الأمنية، تطورت السياسة الألمانية باتجاه أكثر حدة ضد روسيا، ما أدى إلى تصعيد التوترات بين البلدين.

رفض بيربوك للمفاوضات يمكن قراءته من زوايا متعددة:

أيديولوجياً: ترى برلين أن التفاوض مع بوتين سيعني ضمنياً الاعتراف بحق روسيا في تغيير الحدود بالقوة، وهو ما يتناقض مع المبادئ الأوروبية المستندة إلى احترام السيادة الوطنية.

استراتيجياً: تدرك ألمانيا أن أي مفاوضات في هذه المرحلة قد تؤدي إلى تجميد الصراع بدلاً من حله، مما يمنح روسيا فرصة لإعادة بناء قواتها والاستعداد لجولة جديدة من التوسع العسكري.

داخلياً: الحكومة الألمانية تواجه ضغوطاً داخلية من تيارات يمينية ويسارية تدعو إلى تقليل الدعم لأوكرانيا، وبالتالي فإن التصعيد الخطابي ضد روسيا يساعدها في الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية.

لكن يبقى السؤال: هل يمكن لألمانيا الاستمرار في هذا النهج دون مواجهة تداعيات اقتصادية وسياسية؟

إحدى أبرز الرسائل التي وجهتها بيربوك لمجلس الأمن هي تساؤلها عن “أي دولة ستكون التالية التي تتعرض للغزو من جار لا يرحم؟”، في إشارة إلى المخاوف من أن تؤدي سياسات الاسترضاء إلى مزيد من العدوان الروسي في المستقبل.

يعتبر العديد من المسؤولين الأوروبيين، وخاصة في دول البلطيق وبولندا، أن أي تنازل أمام موسكو سيشجعها على اختبار صبر الناتو عبر تهديد دول مجاورة أخرى.

تاريخياً، كانت برلين تُتهم باتباع سياسات متساهلة مع روسيا، خاصة خلال عهد المستشارة أنجيلا ميركل، التي تبنت نهجاً براغماتياً تجاه موسكو. اليوم، يبدو أن الحكومة الألمانية تحاول تصحيح هذا المسار من خلال اتخاذ موقف صارم.

لكن من جهة أخرى، هل المخاوف الأمنية وحدها كافية لتبرير رفض الحوار؟

منذ بداية الحرب، تكبدت ألمانيا خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة انقطاع الغاز الروسي والعقوبات المتبادلة بين الغرب وموسكو.

بعد أن كانت ألمانيا تعتمد على روسيا في تأمين نحو 55% من احتياجاتها من الغاز، وجدت نفسها مضطرة للبحث عن بدائل مكلفة، مما رفع أسعار الطاقة وأثر على الإنتاج الصناعي.

بدأت مؤشرات الركود تظهر في الاقتصاد الألماني، وهو ما قد يدفع الشركات الكبرى إلى الضغط على الحكومة لإيجاد مخرج دبلوماسي للأزمة.

رغم أن الموقف الأوروبي الرسمي لا يزال داعماً لأوكرانيا، إلا أن هناك انقسامات واضحة بين الدول الكبرى بشأن مستقبل الحرب:

فرنسا بدأت تلمّح إلى إمكانية الحوار مع روسيا، حيث صرح الرئيس إيمانويل ماكرون أكثر من مرة بأن على أوروبا أن تبقي “باب الحوار مفتوحاً”.

المجر والنمسا أكثر ميلاً إلى الحلول الدبلوماسية، وهو ما يزيد من الضغوط على ألمانيا لتبني نهج أكثر مرونة.

إذن، هل يمكن أن تتحمل ألمانيا وحدها كلفة موقفها المتشدد، أم أن الضغوط الاقتصادية والسياسية ستجبرها على تغيير موقفها؟

في ظل استمرار العمليات العسكرية وعدم وجود مؤشرات على تراجع روسيا، من المرجح أن تحافظ ألمانيا على موقفها الحالي، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الأمريكية التي قد تشهد تغيرات في سياسات واشنطن تجاه الحرب.

إذا استمر الركود الاقتصادي وتزايدت الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، فقد تضطر ألمانيا إلى تبني موقف أكثر ليونة، ربما من خلال دعم مبادرات أوروبية للوساطة بدلاً من التصعيد المستمر.

في حال تغيرت الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وقررت واشنطن تقليص دعمها لأوكرانيا، قد تجد برلين نفسها أمام خيار صعب: إما أن تتحمل العبء وحدها، أو أن تبدأ في البحث عن حلول دبلوماسية.

تصريحات بيربوك تعكس موقفاً مبدئياً ينسجم مع السياسات الغربية الراهنة، لكنها في الوقت ذاته تخفي تعقيدات أعمق تتعلق بالتحديات الاقتصادية والاستراتيجية التي تواجهها ألمانيا. رفض برلين التفاوض مع بوتين قد يبدو موقفاً حازماً الآن، لكنه قد يصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت، خاصة إذا بدأت القوى الأخرى في إعادة النظر في سياساتها تجاه روسيا.

فهل ستتمسك ألمانيا بموقفها حتى النهاية، أم أنها ستجد نفسها مضطرة لتبني نهج أكثر براغماتية تحت ضغط الواقع الجيوسياسي والاقتصادي؟

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!