لماذا تكون النساء الأكثر تضررًا في الأزمات الإنسانية، رغم أنهن الأقل مسؤولية عن اندلاع الحروب والنزاعات؟ كيف تتحول الأزمات إلى ساحة لممارسة العنف الجسدي والاقتصادي والاجتماعي ضد النساء؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية تقديم استجابة فعالة تحمي النساء من الاستغلال والانتهاكات التي تتضاعف خلال الأزمات؟
في مناطق النزاع، تصبح النساء أولى ضحايا الفوضى، حيث يتعرضن للاستغلال الجنسي، والزواج القسري، والعنف الجسدي، في ظل انهيار الأنظمة القانونية والحماية الاجتماعية. تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2023 كشف أن النساء يشكّلن أكثر من 70% من النازحين في مناطق النزاع في الشرق الأوسط، مما يجعلهن في مواجهة مباشرة مع أخطار الاستغلال والاعتداءات.
في سوريا، أدت الحرب المستمرة إلى زيادة عدد النساء اللواتي يتحملن مسؤولية إعالة أسرهن بعد فقدان الأزواج والأبناء، لكن دون أن تتوفر لهن وسائل الدعم اللازمة. في اليمن، تواجه النساء أوضاعًا كارثية بسبب انهيار النظام الصحي، حيث تعاني آلاف الحوامل من عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الولادة الآمنة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات أثناء الولادة. في السودان، تفاقمت أوضاع النساء النازحات بسبب النزاعات القبلية، حيث يتم استغلالهن كعمالة رخيصة، دون أي حماية قانونية.
توضح الناشطة العراقية سلمى القيسي، التي تعمل مع اللاجئات، أن النساء في مناطق النزاع لا يواجهن فقط خطر العنف الجسدي، بل يعانين أيضًا من التمييز في تقديم المساعدات الإنسانية. في العديد من المخيمات، يتم توزيع الإغاثة بناءً على العلاقات القبلية أو الذكورية، مما يجعل النساء في وضع ضعيف، حيث يُجبرن أحيانًا على مقايضة احتياجاتهن الأساسية مقابل “الخدمات” التي يقدّمها بعض الرجال النافذين داخل المخيمات.
اللاجئات: حياة بلا حقوق ولا حماية
عند الحديث عن الكوارث والنزاعات، تُصبح النساء اللاجئات الفئة الأكثر هشاشة، حيث يجدن أنفسهن بلا مأوى، وبلا مصدر دخل، وفي بيئات معادية تجعلهن عرضة للاستغلال. تقرير صادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عام 2022 أشار إلى أن أكثر من 60% من النساء اللاجئات في الشرق الأوسط يواجهن شكلاً من أشكال العنف، سواء كان تحرشًا، أو زواجًا قسريًا، أو استغلالًا اقتصاديًا.
في لبنان، حيث يشكّل اللاجئون السوريون نسبة كبيرة من السكان، تعاني العديد من النساء من شروط العمل القاسية، حيث يتم تشغيلهن في الزراعة أو الخدمة المنزلية بأجور متدنية للغاية، دون أي ضمانات قانونية. في الأردن، تفيد تقارير المنظمات الإنسانية بأن بعض النساء اللاجئات يضطررن إلى الزواج المبكر لتخفيف العبء المالي عن أسرهن، في ظل غياب أي برامج حقيقية لحمايتهن من هذا المصير. في ليبيا، حيث تفاقمت أزمة المهاجرين واللاجئين، يتم احتجاز بعض النساء القادمات من دول إفريقيا جنوب الصحراء في مراكز غير إنسانية، حيث يتعرضن للاغتصاب والتعذيب كجزء من آلية القمع التي تمارسها بعض الميليشيات المسلحة.
تقول المحامية المصرية منية الشرقاوي، التي تعمل مع قضايا اللاجئات، إن القوانين الدولية التي تحمي اللاجئين لا تطبق فعليًا في كثير من الدول العربية، مما يجعل النساء أكثر عرضة للانتهاكات. رغم وجود اتفاقيات دولية تضمن حق اللاجئات في الحماية، إلا أن التنفيذ على أرض الواقع غالبًا ما يكون غائبًا، بسبب ضعف الإرادة السياسية والتمييز المجتمعي ضد اللاجئين بشكل عام.
إلى جانب النزاعات المسلحة، تؤثر الكوارث الطبيعية بشكل غير متناسب على النساء، حيث يجدن أنفسهن في ظروف تجعل من الصعب عليهن الحصول على الغذاء، والرعاية الصحية، والحماية الأساسية. في السودان، أدى الجفاف إلى موجات نزوح ضخمة، حيث تُجبر النساء على قطع مسافات طويلة لجلب المياه، مما يعرضهن لخطر الاعتداء في المناطق النائية. في الصومال، حيث يضرب الجفاف أجزاء واسعة من البلاد، يواجه النساء والأطفال خطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد، بينما تظل المساعدات غير كافية للوصول إلى كل المحتاجين.
تؤكد الباحثة التونسية نادية السالمي، المختصة في السياسات البيئية، أن النساء يتأثرن بالكوارث الطبيعية أكثر من الرجال، لأنهن غالبًا ما يكنّ المسؤولات عن توفير الغذاء والمياه داخل الأسرة. عندما تحدث المجاعات أو الجفاف، تكون النساء آخر من يحصل على الغذاء، لأن التقاليد تفرض إعطاء الأولوية للرجال والأطفال، مما يجعلهن أكثر عرضة لسوء التغذية والأمراض المرتبطة بها.
في بعض الدول، يتم استغلال الأزمات الاقتصادية لإجبار النساء على تقديم تنازلات قاسية، مثل العمل في ظروف غير إنسانية، أو الدخول في زيجات غير مرغوبة لضمان البقاء. في أفغانستان، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية بعد عودة طالبان إلى السلطة، يتم تزويج الفتيات القاصرات مقابل الطعام، حيث تلجأ الأسر الفقيرة إلى هذه الممارسة لضمان بقائها على قيد الحياة، في ظل غياب أي بدائل اقتصادية.
كيف يمكن حماية النساء في الأزمات؟
مواجهة التأثير غير المتكافئ للأزمات على النساء يتطلب تغييرات جذرية في السياسات الإغاثية، بحيث يتم التعامل مع النساء كفئة ذات احتياجات خاصة، وليس مجرد جزء من الإحصائيات العامة للضحايا. يجب أن تشمل الجهود الإنسانية تقديم مساعدات مصممة خصيصًا للنساء، مثل توفير أماكن آمنة لهن داخل المخيمات، وضمان حصولهن على الرعاية الصحية، بما في ذلك خدمات الصحة الإنجابية.
من الضروري أيضًا وضع سياسات تحمي النساء من الاستغلال الاقتصادي أثناء الأزمات، من خلال تقديم برامج لدعم سبل العيش، ومنع ممارسات مثل الزواج القسري أو العمل القسري. على المستوى القانوني، يجب تعزيز آليات الحماية للاجئات والمهاجرات، بحيث يتم منحهن حقوقًا واضحة في العمل والحصول على الخدمات الصحية، دون تمييز أو استغلال.
الخبير في شؤون الإغاثة اليمني عبد الكريم راشد يرى أن التعامل مع الأزمات لا يمكن أن يكون محايدًا جندريًا، لأن النساء يتعرضن لمخاطر خاصة تستوجب استجابة مصممة لحمايتهن. عندما لا يتم التعامل مع هذه التحديات بجدية، تصبح النساء أكثر عرضة للاستغلال، ويستمر استخدامهن كضحايا صامتات في كل كارثة جديدة.
بين الحروب، والنزوح، والمجاعات، تظل النساء في العالم العربي يدفعن ثمن الأزمات الأكبر، دون أن يحصلن على الحماية الكافية. التغيير الحقيقي لا يكمن فقط في زيادة المساعدات الإنسانية، بل في تغيير الطريقة التي يتم بها التعامل مع النساء خلال الأزمات، بحيث يُنظر إليهن كجزء أساسي من الحل، وليس مجرد متلقّيات للمساعدات.
يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن أن تشهد المنطقة تحولًا حقيقيًا في طريقة التعامل مع النساء في الأزمات، أم أن هذه المعاناة ستظل تتكرر مع كل كارثة جديدة، دون حلول جذرية تحمي النساء من دفع الثمن الأكبر؟