Spread the love

في عالم تزداد فيه الهجمات السيبرانية والجرائم الإلكترونية، أصبح الأمن الرقمي أحد المجالات الأكثر أهمية على الصعيدين الفردي والمؤسسي. ومع ذلك، لا تزال النساء ممثلات تمثيلًا ضعيفًا في هذا القطاع، حيث يسيطر الرجال على معظم الوظائف في مجالات الحماية الإلكترونية، وتطوير السياسات الأمنية، وإدارة مخاطر الفضاء السيبراني. في الوقت نفسه، تواجه النساء بشكل متزايد تهديدات رقمية، من التحرش الإلكتروني إلى الاختراقات والابتزاز الرقمي، مما يجعل الحاجة إلى تعزيز دورهن في الأمن السيبراني أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فهل تستطيع النساء اقتحام هذا المجال وحماية أنفسهن في العالم الرقمي؟

لماذا لا تزال النساء خارج قطاع الأمن السيبراني؟

رغم أن الأمن السيبراني يُعتبر من أكثر المجالات نموًا، إلا أن نسبة النساء فيه لا تزال متدنية. وفقًا لتقرير صادر عن المعهد الدولي للأمن السيبراني عام 2023، فإن النساء يشغلن أقل من 20% من الوظائف في هذا القطاع عالميًا، بينما تنخفض هذه النسبة إلى أقل من 10% في العالم العربي.

توضح الباحثة التونسية لينا الشرفي، المتخصصة في الأمن الرقمي، أن “المشكلة لا تتعلق فقط بعدم وجود فرص للنساء، بل أيضًا بالصورة النمطية التي تربط التكنولوجيا والأمن السيبراني بالرجال. منذ الصغر، لا يتم توجيه الفتيات لدراسة علوم الحاسوب والبرمجة بنفس القدر الذي يُشجع به الفتيان، مما يؤدي إلى فجوة جندرية في هذا القطاع.”

وتضيف أن “النساء اللواتي يدخلن هذا المجال يواجهن بيئة عمل ذكورية، حيث يكون من الصعب عليهن إثبات أنفسهن في مجال يهيمن عليه الرجال. في بعض الحالات، تتعرض النساء في هذا القطاع للتمييز أو حتى المضايقات، مما يدفعهن لمغادرته.”

حتى عندما تدخل النساء هذا المجال، يواجهن مجموعة من التحديات التي تجعل استمرارهن فيه أمرًا صعبًا، منها:

غياب القدوة النسائية: قلة عدد النساء البارزات في الأمن السيبراني يجعل من الصعب على الفتيات أن يجدن نماذج يُحتذى بها.
التفرقة في الأجور: تشير دراسات إلى أن النساء في الأمن السيبراني يتقاضين رواتب أقل بنسبة 15-20% من نظرائهن الرجال.
ضعف برامج التدريب الموجهة للنساء: معظم برامج تدريب الأمن السيبراني لا تستهدف النساء، مما يحد من فرص دخولهن إلى هذا المجال.

يقول الباحث المغربي هشام الزيات، المختص في السياسات الرقمية، إن “المؤسسات والشركات تتحمل مسؤولية كبيرة في هذه الفجوة، حيث إنها لا تزال تنظر إلى الأمن السيبراني على أنه مجال ذكوري. حتى في المؤتمرات التقنية الكبرى، نادرًا ما نجد نساء في المناصب القيادية، وهو ما يعكس عمق المشكلة.”

لماذا تحتاج النساء إلى مهارات الأمن السيبراني أكثر من غيرهن؟

بينما تعاني النساء من التهميش في قطاع الأمن السيبراني، فإنهن في الوقت نفسه الفئة الأكثر تعرضًا للتهديدات الرقمية. في العالم العربي، ازدادت حالات الابتزاز الرقمي، الاختراقات، والتحرش الإلكتروني ضد النساء، حيث يتم استهدافهن بسبب ضعف الوعي الأمني الرقمي، وعدم وجود سياسات قوية لحمايتهن على الإنترنت.

تشير لينا الشرفي إلى أن “المرأة في الفضاء الرقمي غالبًا ما تكون هدفًا سهلًا، لأن الوعي بالأمان الرقمي لا يزال منخفضًا بين النساء مقارنة بالرجال. العديد من النساء لا يعرفن كيفية تأمين حساباتهن، أو التعامل مع الابتزاز الرقمي، مما يجعلهن عرضة للاستغلال.”

وتضيف أن “هناك حاجة ملحة لبرامج تدريبية موجهة للنساء في مجال الأمن الرقمي، بحيث يتم تزويدهن بالمهارات الأساسية لحماية أنفسهن من الجرائم الإلكترونية.”

ما الذي يمكن فعله لتعزيز دور النساء في الأمن السيبراني؟

لضمان تمكين النساء في هذا القطاع، هناك خطوات يمكن اتخاذها، مثل:

إطلاق مبادرات تدريبية تستهدف النساء: مثل البرامج التي أطلقتها بعض الدول لتشجيع النساء على دراسة الأمن السيبراني. في الإمارات، على سبيل المثال، تم إطلاق مبادرات لتدريب الفتيات على مهارات الحماية الرقمية.
تحفيز الشركات على توظيف النساء في الأمن السيبراني: من خلال تقديم حوافز للشركات التي تزيد نسبة النساء في هذا القطاع.
إدراج الأمن الرقمي ضمن المناهج الدراسية: لضمان أن الفتيات يتلقين نفس الفرص التعليمية في هذا المجال مثل الفتيان.
سن قوانين تحمي النساء من العنف السيبراني: مثل تجريم الابتزاز الرقمي، والتحرش الإلكتروني، وتوفير آليات سهلة للنساء للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية.

هل يمكن أن تصبح النساء قوة فاعلة في الأمن السيبراني؟

رغم التحديات، بدأت بعض النساء في تحقيق اختراقات في هذا المجال، حيث أصبحنا نرى مزيدًا من الخبيرات في الأمن الرقمي، والمختصات في مكافحة الجرائم الإلكترونية. في دول مثل المغرب ومصر وتونس، بدأت بعض النساء في إطلاق مبادرات توعوية حول الأمن الرقمي، مما يعكس تحولًا تدريجيًا في هذا المجال.

يقول هشام الزيات إن “النساء إذا حصلن على الدعم والتدريب الكافي، يمكن أن يكنّ في طليعة حماية الفضاء الرقمي. فالأمن السيبراني لا يعتمد على القوة الجسدية، بل على الذكاء والتحليل، وهي مهارات لا تتعلق بالجندر.”

بينما تزداد الحاجة إلى الأمن السيبراني في عالم متسارع رقميًا، لا تزال النساء يواجهن تحديات تعيق وصولهن إلى هذا المجال. ومع ذلك، فإن إدماج النساء في الأمن الرقمي ليس مجرد قضية مساواة، بل هو ضرورة لحماية المجتمع بأكمله من التهديدات السيبرانية.

ويبقى السؤال: هل سنشهد مستقبلًا تتحول فيه النساء إلى قوة رئيسية في الأمن السيبراني، أم أن الفجوة الجندرية في هذا المجال ستظل قائمة لعقود قادمة؟

error: Content is protected !!