الخميس. أكتوبر 17th, 2024

النسوية وتقاطع الجندر والعرق “تحليل نقدي لتجارب النساء الملوّنات”

النسوية كحركة اجتماعية وسياسية تطورت بشكل ملحوظ عبر العقود لتصبح قوة محورية في السعي لتحقيق المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، لم تكن الحركة النسوية دائمًا شاملة لكافة تجارب النساء، خاصة النساء الملوّنات اللاتي يواجهن تمييزًا مزدوجًا بسبب الجنس والعرق. فكرة “التقاطعية”، التي صاغتها كيمبرلي كرينشو في أواخر الثمانينيات، قد جاءت كاستجابة لحاجة ملحة لتوسيع إطار التحليل النسوي ليشمل العرق والطبقة الاجتماعية وغيرها من الهويات التي تتداخل لتشكيل تجارب النساء الملوّنات بشكل خاص. هذه الفكرة أساسية لفهم أن الظلم ليس مجرد مسألة جندرية، بل هو أيضًا مسألة متعلقة بالعرق والطبقة والعديد من العوامل الأخرى.

التقاطعية تُعتبر عدسة تحليلية تجعل من الممكن رؤية كيف يمكن لعوامل متعددة من الظلم أن تتداخل وتخلق تجارب فريدة للنساء الملوّنات، وهي تجارب غالبًا ما تكون غير مرئية في الخطاب النسوي التقليدي. من خلال هذا المنظور، تصبح النسوية حركة أكثر شمولًا، تعترف بتعقيد الهويات النسائية وتعمل على معالجة كافة أشكال التمييز، مما يعزز العدالة والمساواة للجميع.

النساء الملوّنات والتجارب المركّبة للتمييز

عندما نتحدث عن النساء الملوّنات، فإننا نشير إلى مجموعة من النساء اللاتي يواجهن تحديات يومية ليست فقط نتيجة لجندريتهن، بل أيضًا بسبب عرقهن. هذه الفئة من النساء تعاني من نوعين من التمييز المتداخلين، حيث أنهن يُواجهن فجوات في الأجور، فرص أقل في التقدم الوظيفي، وتمثيل غير كافٍ في المناصب القيادية، فضلًا عن التعرض للتمييز العنصري والجندري في آن واحد.

في سوق العمل، على سبيل المثال، تُظهر الدراسات أن النساء الملوّنات، خاصةً النساء ذوات الأصول الأفريقية واللاتينية، يكسبن أقل بكثير من النساء البيضاوات، حتى عندما تكون لديهن نفس المستوى من التعليم والخبرة. الفجوة في الأجور ليست مجرد مشكلة اقتصادية، بل هي انعكاس للتمييز الهيكلي العميق الذي يجمع بين التحيزات العنصرية والجندرية. هذا النوع من التمييز يجعل من الصعب على النساء الملوّنات تحقيق التقدم المهني والاقتصادي، حيث يجدن أنفسهن محاصرات في وظائف منخفضة الأجر، غالبًا ما تكون بدون فرص واضحة للتقدم.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه النساء الملوّنات أشكالًا من التمييز في الحياة اليومية تتعلق بالصور النمطية السلبية التي تعزز الفوارق الاجتماعية. هذه الصور النمطية تؤثر على فرصهن في التعليم، الصحة، والإسكان، مما يفاقم من التحديات التي يواجهنها ويزيد من عزلهن داخل المجتمعات.

النضال النسوي لتحدي التمييز المتقاطع

في العقود الأخيرة، بدأت حركة نسوية جديدة تظهر على الساحة، تقودها نساء ملوّنات يطالبن بإعادة تشكيل الخطاب النسوي ليصبح أكثر شمولًا لتجاربهن. هذه الحركة النسوية التقاطعية تركز على ضرورة معالجة التمييز العنصري إلى جانب التمييز الجندري، مؤكدة أن الحركات النسوية التقليدية قد فشلت في الكثير من الأحيان في التعامل مع التجارب المعقدة للنساء الملوّنات.

الكاتبة والناشطة الأمريكية بيل هوكس تُعتبر واحدة من أبرز الأصوات في هذا السياق، حيث أشارت إلى أن النسوية التقليدية كانت تركز بشكل كبير على تجارب النساء البيضاوات من الطبقات الوسطى والعليا، متجاهلة إلى حد كبير النساء الملوّنات والنساء من الطبقات الدنيا. هذا التجاهل أدى إلى ظهور حركة نسوية جديدة تسعى إلى تضمين جميع النساء في النضال من أجل المساواة.

النسوية التقاطعية تُطالب بإعادة صياغة السياسات والممارسات النسوية لتكون قادرة على التعامل مع تعقيدات الهويات المتقاطعة. وهذا يتضمن تغيير الطريقة التي تُصاغ بها القوانين والسياسات العامة لتشمل الاعتراف بالتحديات الفريدة التي تواجهها النساء الملوّنات. كما يدعو هذا النهج إلى خلق تحالفات أوسع بين الحركات النسوية وحركات الحقوق المدنية والاجتماعية الأخرى لتحقيق أهداف مشتركة.

د.سلمى عبد الرحمن، الأستاذة في الدراسات الجندرية، قالت في حديثها لـ”شُبّاك” إن النسوية التقاطعية ليست مجرد إطار تحليلي؛ إنما هي منهجية ضرورية لفهم وتفكيك الأنظمة المتشابكة للظلم والتمييز التي تواجهها النساء الملوّنات. ففي مجتمعاتنا، التمييز الجندري يتداخل مع العنصرية، ليخلق تجارب فريدة من نوعها تختلف جذريًا عن تلك التي تواجهها النساء البيضاوات. هذا التمييز المتقاطع يظهر في كل جانب من جوانب الحياة، بدءًا من سوق العمل حيث تواجه النساء الملوّنات فجوات كبيرة في الأجور، وصولاً إلى العنف الجنسي والعنصري الذي يُمارس ضدهن، والذي غالبًا ما يتم تجاهله أو التقليل من أهميته.

من خلال العدسة التقاطعية، نستطيع أن نفهم كيف أن هذه الأنظمة من التمييز ليست مجرد عوامل منفصلة، بل هي أنظمة تعمل بشكل مترابط، مما يعقد من إمكانيات الوصول إلى العدالة والمساواة. إن النساء الملوّنات يعشن في تقاطعات هذه الأنظمة، مما يضعهن في موقع ضعيف اقتصاديًا واجتماعيًا، وفق عبد الرحمن. إن تجاهل هذا الواقع يعني أن الحركة النسوية تفشل في شمول جميع النساء، وتستمر في تعزيز التمييز بين النساء أنفسهن.

الحاجة إلى تبني النسوية التقاطعية في السياسات والممارسات ليست فقط مسألة عدالة، بل هي أيضًا مسألة ضرورة لتفكيك الهياكل الاجتماعية القائمة على التمييز. النسوية التقليدية، التي ركزت بشكل كبير على تجارب النساء البيضاوات من الطبقات المتوسطة والعليا، لم تتمكن من تحقيق تقدم حقيقي للنساء الملوّنات. لذلك، يجب على النسوية اليوم أن تتطور لتصبح حركة شاملة لا تتعامل فقط مع التمييز الجندري، بل تتعامل أيضًا مع العنصرية والطبقية والتفاوتات الاجتماعية الأخرى التي تؤثر على حياة النساء الملوّنات.

علاوة على ذلك، فإن الأستاذة في الدراسات الجندرية أشارت إلى أن هذا النهج الشامل يتطلب تكوين تحالفات بين الحركات النسوية وحركات الحقوق المدنية الأخرى لضمان أن تكون الجهود المشتركة أكثر فعالية في مواجهة الظلم. النساء الملوّنات بحاجة إلى فضاءات آمنة يتمكن فيها من التعبير عن تجاربهن، ويحتجن إلى دعم يتجاوز الخطاب ليشمل سياسات فعلية تغير من واقعهن اليومي. بدون هذا الالتزام الشامل، سنظل نواجه تحديات تعيق تحقيق المساواة الحقيقية للنساء الملوّنات.

د. سلمى عبد الرحمن تؤكد أن التحديات التي تواجهها النساء الملوّنات لا يمكن معالجتها إلا من خلال نهج نسوي تقاطعي شامل. هذا النهج لا يعترف فقط بالظلم الذي تتعرض له هذه الفئة من النساء، بل يسعى أيضًا إلى تفكيك الهياكل الاجتماعية التي تديم هذا الظلم. من خلال فهم هذه التحديات المعقدة والعمل على معالجتها، يمكن للحركة النسوية أن تحقق العدالة والمساواة للجميع، بعيدًا عن التمييز على أساس العرق أو الطبقة أو أي عوامل أخرى.

النقد الاجتماعي والنسوية التقاطعية

النقد الاجتماعي الذي ينبع من منظور تقاطع الجندر والعرق يفتح المجال لفهم أعمق للديناميكيات الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على حياة النساء الملوّنات. من خلال هذا التحليل، يصبح من الواضح أن التمييز ضد النساء الملوّنات ليس مجرد مسألة فردية، بل هو جزء من بنية اجتماعية أوسع تتسم بالعنصرية والتمييز الجندري.

تحليل تجارب النساء الملوّنات يظهر كيف أن النظم الاجتماعية تعمل على استبعادهن من فرص التعليم، العمل، والقيادة، مما يعمق من الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. يتطلب هذا النقد الاجتماعي استجابات متعددة الأبعاد، حيث يجب أن تشمل السياسات العامة التدخلات التي تعالج ليس فقط التمييز الجندري، بل أيضًا التحيزات العنصرية والاقتصادية التي تقيد حياة النساء الملوّنات.

الحركة النسوية التقاطعية تعترف بأن التحديات التي تواجهها النساء الملوّنات ليست ناجمة عن عامل واحد، بل عن شبكة معقدة من العوامل التي تتفاعل بشكل مستمر. لذا، فإن الحلول يجب أن تكون شاملة ومعتمدة على فهم عميق لهذه التعقيدات. هذا يعني أنه لا يمكن تحقيق المساواة الجندرية إلا من خلال القضاء على كافة أشكال التمييز المتداخلة.

تحقيق المساواة الحقيقية للنساء يتطلب حركة نسوية شاملة تُقر بتعقيد الهوية النسائية. النسوية التقاطعية ليست مجرد مفهوم إضافي، بل هي إعادة تعريف للحركة النسوية لتكون قادرة على مواجهة التحديات المتعددة التي تواجهها النساء في مختلف المجتمعات. هذه النسوية الشاملة يجب أن تتبنى مقاربات متعددة المستويات تعترف بكافة أشكال التمييز وتعمل على معالجتها بشكل جذري.

لتحقيق هذا الهدف، يجب على النسويات العمل على تغيير الثقافة المجتمعية والسياسات العامة لضمان أن تكون الأصوات المهمشة مسموعة وأن تكون الحركات النسوية قادرة على تحقيق العدالة والمساواة لجميع النساء، بغض النظر عن عرقهن، طبقتهن، أو هويتهن الجندرية.

النسوية التقاطعية ليست فقط أداة لفهم التمييز بشكل أعمق، بل هي أيضًا استراتيجية فعالة لتحقيق التغيير الاجتماعي والعدالة. إنها تدعو إلى توسيع النضال النسوي ليشمل جميع أشكال الظلم، وبالتالي تحقيق حركة أكثر قوة وتأثيرًا قادرة على بناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا.

Related Post