Spread the love

تمر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بأزمة مالية خانقة لم تشهدها من قبل، حيث تسبب نقص الموارد المالية وتأخر وصول الدعم الخارجي في تأخير صرف رواتب الموظفين الحكوميين لشهرين متتاليين، إضافة إلى عجز الحكومة عن توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء، ما أدى إلى زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى مستويات غير مسبوقة.

بحسب مصادر حكومية مطلعة، فإن تأخر وصول الدفعة الرابعة من المنحة السعودية، البالغة 200 مليون دولار، أدى إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على الحكومة وتسبب في انهيار العملة المحلية إلى أدنى مستوى لها في تاريخ اليمن، حيث بلغ سعر صرف الدولار 2040 ريالاً يمنياً.

ويؤكد مسؤول في البنك المركزي اليمني في عدن، طالباً عدم ذكر اسمه، أن الحكومة تواجه أزمة سيولة خانقة بسبب تراجع إيرادات الدولة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وهو ما أدى إلى عجز خطير في ميزان المدفوعات، نتيجة النقص الحاد في الموارد وزيادة الطلب على العملات الأجنبية لتغطية فاتورة الاستيراد.

لم تقتصر تداعيات الأزمة المالية على عدم دفع الرواتب فحسب، بل انعكست أيضاً على إمدادات الكهرباء، حيث أدى العجز عن توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء في مدينة عدن والمحافظات الجنوبية إلى ارتفاع ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى 16 ساعة يومياً، مما فاقم معاناة السكان في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانعدام البدائل الفعالة للطاقة.

ويرجع هذا التدهور إلى استهداف الحوثيين لناقلات النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة خلال أواخر عام 2022، مما أدى إلى توقف تصدير النفط الخام، الذي كان يشكل المصدر الأساسي لإيرادات الدولة. هذه الهجمات لم تعرقل فقط قدرة الحكومة على تحقيق دخل من صادرات النفط، بل أدت أيضاً إلى نقص تدفقات الوقود، ما أثر بشكل مباشر على قطاع الطاقة والخدمات الأساسية.

انعدام الأمن الغذائي يصل إلى مستويات خطيرة

على وقع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أطلق برنامج الغذاء العالمي تحذيرات خطيرة بشأن الوضع الإنساني في اليمن، مشيراً إلى أن 64% من الأسر اليمنية تعاني من عدم كفاية فرص الحصول على الغذاء، وهي أعلى نسبة انعدام أمن غذائي سجلها البرنامج في البلاد حتى الآن.

ويحصل اليمن على 95% من احتياجاته الغذائية عبر الاستيراد، مما يجعله معرضاً بشدة لتقلبات أسعار العملات ونقص النقد الأجنبي. ووفق تقرير مشترك أصدرته أربع منظمات أممية، ارتفع معدل سوء التغذية الحاد في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بنسبة 34% خلال 2024 مقارنة بالعام الماضي، مما يهدد بكارثة إنسانية غير مسبوقة.

يقول الخبير الاقتصادي فيصل العليمي إن “الوضع الاقتصادي في اليمن دخل مرحلة الخطر الشديد، حيث لم تعد الحكومة تمتلك أي خيارات تمويلية فعالة بعد توقف الإيرادات النفطية، وتأخر الدعم الخارجي، واستمرار الأزمة النقدية”. ويضيف: “اليمن يواجه مزيجاً من الانهيار المالي والأزمة الإنسانية، مما ينذر بمزيد من التوترات الاجتماعية والاقتصادية”.

الدعم السعودي وتأثير تأخره على الاستقرار المالي

في منتصف يونيو/حزيران 2024، أودعت السعودية 300 مليون دولار في البنك المركزي اليمني كدفعة ثالثة من منحتها البالغة 1.2 مليار دولار، لكن تأخر وصول الدفعة الرابعة أدى إلى اضطراب التدفقات المالية وزيادة العجز الحكومي.

وبينما شكلت المنحة السعودية عاملاً رئيسياً في دعم استقرار الاقتصاد اليمني الهش، إلا أن غياب خطة واضحة لتمويل الميزانية الحكومية جعل الوضع أكثر هشاشة، حيث تعتمد الحكومة على هذا الدعم الخارجي لسد الفجوات المالية في الرواتب والخدمات الأساسية، وهو أمر غير مستدام على المدى الطويل.

يرى المحلل المالي ياسين السالمي أن “اعتماد الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي دون وجود خطط اقتصادية بديلة يجعلها رهينة لأي تأخير أو تغير في السياسات الخارجية للدول الداعمة”. ويضيف: “الحل لا يكمن فقط في استمرار الدعم، بل في إعادة هيكلة الإيرادات الحكومية عبر تحسين تحصيل الضرائب والجمارك، وإيجاد بدائل عن النفط كمصدر رئيسي للدخل”.

تدهور العملة المحلية: هل هناك حلول قريبة؟

انهيار الريال اليمني إلى 2040 ريالاً للدولار يعكس عمق الأزمة المالية في البلاد. ومع شح الاحتياطي النقدي، بات البنك المركزي اليمني عاجزاً عن التدخل الفعال لضبط السوق، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة الضغوط التضخمية على المواطنين.

يرى الاقتصادي هشام الزبيدي أن “معالجة أزمة انهيار العملة تتطلب إجراءات أكثر من مجرد ضخ أموال في البنك المركزي”، موضحاً أن “الحكومة بحاجة إلى سياسات نقدية متماسكة تشمل إصلاحات هيكلية، وتحسين إدارة الموارد، واستعادة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين”.

في ظل غياب حلول اقتصادية جذرية، وتراجع الدعم الخارجي، واستمرار الصراع المسلح، يبدو أن الأزمة المالية في اليمن مرشحة للتفاقم خلال الأشهر القادمة. فالحكومة تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاستمرار في الاعتماد على دعم خارجي غير مستقر، أو البحث عن حلول تمويلية جديدة وسط اقتصاد محطم وبنية تحتية منهارة.

ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة اليمنية تجنب كارثة اقتصادية أكبر؟ أم أن البلاد تسير نحو أزمة مالية غير مسبوقة قد تعصف بما تبقى من الاستقرار الهش؟

error: Content is protected !!