Spain's far-right party Vox leader Santiago Abascal gestures as Portugal's far-right political party Chega leader Andre Ventura, Dutch far-right leader Geert Wilders, and French far-right leader, member of parliament Marine Le Pen, President of the French far-right National Rally (Rassemblement National - RN) party parliamentary group, Hungarian Prime Minister Viktor Orban, Italian Deputy Prime Minister Matteo Salvini applaud on stage at Spanish far-right party VOX rally with other European far-right leaders, in Madrid, Spain, February 8, 2025. REUTERS/Ana Beltran
Spread the love

تشهد الساحة السياسية الأوروبية تحولات عميقة مع تزايد تأثير الأطروحات المتطرفة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على التيارات اليمينية القومية المتشددة. وقد برز هذا التأثير في القمة التي عقدها قادة اليمين القومي المتطرف الأوروبي في العاصمة الإسبانية مدريد، والتي ركزت على ملفات الهجرة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، في انعكاس واضح للخطاب الترامبي المعادي للمؤسسات الحاكمة والهجرة.

عُقد هذا اللقاء المثير للجدل يوم الجمعة الماضي تحت مظلة حزب “باتريوت” (الوطنيون)، وهو تكتل يضم الأحزاب اليمينية القومية المتطرفة داخل البرلمان الأوروبي، والذي حصد أكثر من 19 مليون صوت في الانتخابات الأخيرة، ما يجعله القوة السياسية الثالثة على مستوى القارة.

ترأس القمة زعيم حزب فوكس الإسباني سانتياغو أباسكال، وحضرها 14 زعيماً يمينياً متطرفاً، من بينهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وزعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي مارين لوبان، ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، واليميني الهولندي خيرت فيلدرز، المعروف بعدائه الشديد للإسلام والهجرة.

خطاب قومي متطرف وتصعيد ضد الاتحاد الأوروبي

عبّر البيان الختامي للقمة عن توجهات معادية لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بأنها “دولة عميقة” تحاول فرض سياسات اجتماعية مخالفة لـ”القيم المسيحية”، محذراً من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى “كارثة كبرى”.

انتقد البيان بشدة: سياسات الهجرة غير النظامية، معتبراً أنها تشكل “تهديداً وجودياً” للهوية الأوروبية، وكذلك السياسات البيئية والمناخية، مدعياً أنها تضعف القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي. وانتقد أيضاً الاندماج الأوروبي المركزي، الذي يصفه بأنه “مشروع هندسة اجتماعية” يهدف إلى تحويل الاتحاد الأوروبي إلى كيان فيدرالي يتجاوز سيادة الدول القومية.

أحد أكثر الشعارات الملفتة التي وردت في البيان كان: “أعيدوا لأوروبا قوتها، أعيدوا لأوروبا عظمتها”، في استلهام واضح لشعار ترامب الشهير “اجعلوا أمريكا عظيمة مجدداً” (Make America Great Again).

لم يخف البيان إعجابه بالنهج السياسي لترامب، مشيداً به وبالرئيس الأرجنتيني الجديد خابيير ميلي، المعروف بخطابه الشعبوي اليميني. ووصف القادة الأوروبيون المتطرفون كلاً من ترامب وميلي بأنهما “رمزان للحرية”، داعين إلى تبني سياساتهما في أوروبا لمواجهة ما يصفونه بـ “اليسار العالمي المتسلط”.

لقاء استراتيجي مع “هيريتاج”: هل هناك تنسيق عابر للأطلسي؟

بحسب صحيفة “إل باييس” الإسبانية، فإن قادة اليمين المتطرف اجتمعوا بعد القمة على مأدبة عشاء خاصة مع كيفن روبرتس، رئيس مؤسسة “هيريتاج” الأمريكية، وهو أحد أهم مراكز التفكير الاستراتيجي اليميني المتطرف في الولايات المتحدة، والمعروف بدعمه لسياسات ترامب.

ويُنظر إلى هذا اللقاء على أنه دليل على تنسيق أيديولوجي بين اليمين القومي المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تسعى هذه الأحزاب لاستنساخ تجربة ترامب السياسية والشعبوية في القارة العجوز.

يقول جهاد خليل، الباحث في معهد السياسات الأوروبية، إن “اليمين القومي المتطرف في أوروبا لم يكن بحاجة إلى ترامب ليظهر، لكنه بالتأكيد استلهم منه الكثير من الاستراتيجيات الشعبوية، سواء في الهجوم على الإعلام، أو تبني خطاب معادٍ للهجرة، أو الادعاء بوجود “دولة عميقة” تسيطر على مؤسسات الحكم.”

أما فريد رضا، المحلل في مركز الدراسات السياسية في بروكسل، فيرى أن نجاح ترامب المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة قد يكون نقطة تحول، قائلاً: “عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستعطي دفعة هائلة لقوى اليمين القومي المتطرف في أوروبا، وسنشهد تقارباً أكبر بين الجانبين، وربما دعماً أمريكياً مباشراً لأحزاب مثل فوكس الإسباني والتجمع الوطني الفرنسي.”

القمة التي عُقدت في مدريد ليست مجرد اجتماع حزبي عادي، بل هي مؤشر على صعود تيار قومي متطرف يطمح إلى تغيير وجه السياسة الأوروبية بالكامل، مستلهماً تجربة ترامب.

لكن يبقى السؤال: هل يستطيع هذا التيار أن يحقق تقدماً كافياً في الانتخابات الأوروبية المقبلة لإحداث تحول جذري في سياسات الاتحاد الأوروبي؟ في ظل الأزمات الاقتصادية والهجرة والانقسامات الداخلية، قد تجد هذه الأحزاب بيئة خصبة لمزيد من الصعود، ولكنها ستواجه أيضاً مقاومة قوية من الأحزاب المعتدلة وقوى المجتمع المدني التي لا تزال ترى في الاتحاد الأوروبي ضمانة للاستقرار والتعددية في القارة.

error: Content is protected !!