U.S. Speaker of the House Nancy Pelosi (D-CA) presides ahead of the final passage in the House of Representatives of U.S. President Joe Biden's $1.9 trillion coronavirus disease (COVID-19) relief bill inside the House Chamber of the Capitol in Washington, U.S., March 10, 2021. REUTERS/Joshua Roberts
Spread the love

إن فشل النائبة اليمينية المتطرفة مارغوري تايلور غرين في الإطاحة برئيس مجلس النواب مايك جونسون يمثل لحظة فارقة في المشهد السياسي الأمريكي، حيث يعكس مدى تعقيد التوازنات داخل الحزب الجمهوري نفسه، فضلًا عن التحديات التي تواجه التيار اليميني المتشدد في محاولته فرض أجندته الراديكالية على المؤسسة الحزبية التقليدية. ومع تصويت 359 عضوًا ضد اقتراحها مقابل 43 فقط لصالحه، بدا واضحًا أن غرين كانت تخوض معركة خاسرة منذ البداية، لكنها في الوقت نفسه كشفت نقاط الضعف داخل الجمهوريين الذين لا يزالون يكافحون للتوفيق بين معتدلي الحزب وتياراته الأكثر تطرفًا.

على عكس الإطاحة برئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي في عام 2023، فإن محاولة غرين لم تجد صدى واسعًا داخل الحزب الجمهوري، حيث لم يدعمها سوى 10 نواب جمهوريين، بينما اختار 196 جمهوريًا التصويت ضد اقتراحها. وهذا يعكس إدراكًا متزايدًا داخل الحزب بأن المغامرات الشعبوية غير المدروسة قد تضر أكثر مما تنفع، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

ربما يكون العامل الأكثر أهمية في إنقاذ جونسون هو دعم 163 ديمقراطيًا، وهو أمر قد يبدو غير متوقع في ظل الانقسام الحاد داخل الكونغرس الأمريكي. لكن هذا الدعم يعكس براغماتية الديمقراطيين الذين فضلوا بقاء جونسون، الذي أظهر قدرة على العمل مع الحزب الديمقراطي في تجنب إغلاق الحكومة، بدلًا من المجازفة بالفوضى السياسية التي قد تعقب الإطاحة به.

لقد سئم كثير من المشرعين، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، من لعبة إقالة رؤساء مجلس النواب لأسباب سياسية بحتة، وهو ما جعل اقتراح غرين يبدو وكأنه استمرار لموجة من عدم الاستقرار السياسي الذي قد يُعرّض الحزب الجمهوري لمزيد من الانقسامات. وهذا يفسر تصريح جونسون بعد التصويت، حيث دعا إلى إنهاء سياسات الاغتيال الشخصي والتركيز على القضايا الجوهرية التي تهم الأمريكيين.

لطالما كان الحزب الجمهوري ساحة صراع بين جمهوريي المؤسسة (Establishment Republicans)، الذين يميلون إلى تبني سياسات أكثر اعتدالًا وتوافقية، والجناح اليميني المتشدد الذي تمثله شخصيات مثل مارغوري تايلور غرين ومات غايتس. وبينما استطاع التيار الشعبوي تحقيق نجاحات داخل الحزب خلال عهد ترامب، فإن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن المزاج العام داخل الحزب بدأ يتغير نحو مزيد من الاستقرار والتوافق السياسي.

مع اقتراب انتخابات نوفمبر 2024، يسعى الجمهوريون إلى تقديم صورة موحدة نسبيًا وعدم الانخراط في معارك داخلية قد تعطي الحزب الديمقراطي ميزة انتخابية. ومن هذا المنطلق، فإن الإطاحة بجونسون كانت ستجعل الحزب الجمهوري يبدو أكثر انقسامًا وغير قادر على الحكم بفعالية، مما يعزز فرص الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة.

من اللافت للنظر أن الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يمثل المرجعية الأولى للتيار الشعبوي داخل الحزب الجمهوري، لم يدعم علنًا محاولة غرين. وعلى الرغم من أن ترامب لا يزال يمسك بخيوط القوة داخل الحزب، إلا أنه يبدو حريصًا على عدم إشعال المزيد من الانقسامات الداخلية التي قد تضر بفرص الجمهوريين في استعادة السيطرة على السلطة التنفيذية والتشريعية.

على الرغم من الفشل الواضح لمحاولة غرين، إلا أنها لم تُظهر أي ندم على تحركها، بل ألمحت إلى استمرارها في الضغط داخل الحزب الجمهوري. لكن مع ضعف الدعم الداخلي لها، فإن نفوذها داخل الحزب قد يتراجع، مما قد يدفعها إلى التصعيد الإعلامي أو البحث عن دعم ترامب بشكل أكثر وضوحًا.

من المرجح أن يكون جونسون الآن في وضع أقوى داخل الحزب، حيث نجح في حشد دعم كبير من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. لكن هذا لا يعني أن التحديات قد انتهت بالنسبة له، إذ لا يزال يواجه تيارات متشددة داخل حزبه قد تستمر في الضغط عليه لاتخاذ مواقف أكثر يمينية.

رغم تصويت المجلس بأغلبية ساحقة ضد محاولة الإطاحة بجونسون، إلا أن خطر تحركات مماثلة لا يزال قائمًا، خاصة مع تصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة. وإذا استمرت الخلافات الداخلية داخل الحزب الجمهوري، فقد نشهد محاولات مستقبلية لإقالة جونسون أو حتى تحديات قيادية جديدة في الكونغرس.

تكشف هذه الواقعة الكثير عن طبيعة السياسة الأمريكية في الحقبة الحالية، حيث لم يعد الانقسام مقتصرًا على الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بل أصبح هناك انقسام واضح داخل كل حزب على حدة. وبينما نجح جونسون في تجاوز هذه العاصفة، فإن التوترات الداخلية داخل الحزب الجمهوري لا تزال قائمة، وقد يكون ما شهدناه مجرد جولة أخرى في معركة طويلة بين المعتدلين والمتشددين داخل الحزب.

يبدو أن الحزب الجمهوري أمام اختبار حقيقي: هل سيتمكن من تجاوز الخلافات الداخلية وتقديم جبهة موحدة في الانتخابات المقبلة؟ أم أن التيارات المتشددة ستستمر في زعزعة استقراره، مما قد يمنح الديمقراطيين فرصة لتعزيز قوتهم السياسية؟ الأجوبة على هذه الأسئلة ستحدد ملامح المستقبل السياسي لأمريكا في السنوات القادمة.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!