تستعد وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز للإعلان عن أكبر زيادات ضريبية تشهدها البلاد خلال الثلاثين عاماً الماضية، في محاولة لتمويل الخدمات العامة المتدهورة وإعادة إنعاش الاقتصاد البريطاني بعد سنوات من الركود والأزمات المالية. وتأتي هذه الخطوة ضمن أول ميزانية تقدمها حكومة حزب العمال منذ فوزها في الانتخابات، بعد 14 عاماً من حكم المحافظين.
ووفقاً لمصادر حكومية، تخطط ريفز لجمع 40 مليار جنيه إسترليني (52 مليار دولار) من الضرائب الجديدة، بهدف تقليص العجز في المالية العامة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. كما ستلجأ إلى الاقتراض الإضافي بقيمة 20 مليار جنيه إسترليني لتمويل مشاريع استثمارية رئيسية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على تحقيق توازن بين الإنفاق والاستدانة، دون إثارة اضطرابات في سوق السندات كما حدث في عهد ليز تراس عام 2022.
الضرائب في مواجهة الخدمات العامة المتدهورة
يواجه الاقتصاد البريطاني تحديات كبيرة، أبرزها تدهور قطاع الصحة والتعليم والإسكان، مما جعل الحكومة تتعهد باتخاذ إجراءات جذرية لإصلاح هذه القطاعات. إلا أن الحل المقترح -المتمثل في رفع الضرائب على الأفراد والمؤسسات القادرة على الدفع- يواجه انتقادات واسعة من الأوساط الاقتصادية والسياسية، إذ يخشى البعض أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إضعاف القدرة الشرائية وعرقلة النمو الاقتصادي بدلاً من دفعه إلى الأمام.
يرى الخبير الاقتصادي مروان الشهابي أن “حكومة العمال تعيش مأزقاً معقداً، فهي تحاول إعادة تمويل الخدمات العامة وتحفيز النمو الاقتصادي في وقت واحد، وهو أمر صعب التحقيق دون تداعيات جانبية”. ويضيف: “رفع الضرائب في فترة تباطؤ اقتصادي قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات وهروب رؤوس الأموال، ما قد يعيق الأهداف التنموية التي تسعى الحكومة لتحقيقها”.
جدل حول فجوة مالية غير معلنة
أحد أبرز القضايا الخلافية التي ستتناولها ريفز في خطابها هو الحديث عن فجوة مالية بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني، والتي تزعم أن حكومة المحافظين السابقة تركتها دون إعلان. إلا أن وزير المالية السابق جيريمي هانت رفض هذه المزاعم، معتبراً أنها محاولة سياسية لتبرير الزيادات الضريبية.
وفي هذا السياق، يحذر المحلل المالي جلال العطار من أن “إلقاء اللوم على الإدارات السابقة دون تقديم خطة واضحة للإنقاذ الاقتصادي قد يؤدي إلى أزمة ثقة بين الحكومة والمستثمرين”، مشيراً إلى أن “الحل ليس فقط في زيادة الضرائب، بل في تحفيز القطاعات الإنتاجية وتوسيع القاعدة الاقتصادية”.
إلى جانب زيادة الضرائب، تخطط ريفز لزيادة الاقتراض العام بمقدار 20 مليار جنيه إسترليني، وهو ما ترى أنه ضروري لدفع عجلة الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي. إلا أن هذا التوجه قد يثير مخاوف الأسواق المالية، خصوصاً أن بريطانيا عانت في السنوات الأخيرة من ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، مما جعل تكلفة الاقتراض مرتفعة.
ويشير تقرير معهد الدراسات المالية البريطاني إلى أن العبء الضريبي المتوقع، والذي سيعادل 1.25% من الناتج المحلي الإجمالي، لم تشهده بريطانيا إلا في عام 1993، عندما اضطرت حكومة المحافظين آنذاك إلى رفع الضرائب لمواجهة أزمة عملة بعد ركود اقتصادي حاد.
وفي هذا السياق، ترى الخبيرة الاقتصادية ريم القاسمي أن “الرهان على الاقتراض قد يكون خطيراً، خاصة إذا لم تتمكن الحكومة من تحقيق العوائد المتوقعة من استثماراتها”. وتضيف: “على الحكومة أن توازن بين الحاجة إلى تمويل المشروعات والاستقرار المالي، دون تعريض الأسواق لضغوط تؤدي إلى هزات اقتصادية جديدة”.
بريطانيا بين الحاجة إلى الاستقرار وخطر التباطؤ الاقتصادي
في ظل هذه التحديات، تسعى حكومة كير ستارمر إلى إقناع الناخبين بأن سياساتها المالية لن تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية كما حدث في عهد المحافظين، إلا أن تنفيذ هذه السياسات بنجاح يعتمد على عدة عوامل، منها رد فعل الأسواق والمستثمرين، ومدى تقبل الشارع البريطاني لزيادة الضرائب.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع حكومة العمال تحقيق الاستقرار المالي دون الإضرار بالنمو الاقتصادي؟ أم أن هذه السياسات ستؤدي إلى ركود جديد يضعف الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الاقتصاد؟