Spread the love

تأتي تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الأزمة في الشرق الأوسط وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، بالإضافة إلى تمدد المواجهات في لبنان وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي. بوتين، الذي تحدث أمام قمة “بريكس” في مدينة قازان الروسية، لم يخفِ قلق موسكو من احتمالات تحول هذه التوترات إلى حرب شاملة قد تمتد إلى دول أخرى، ما يهدد بنسف أي جهود لتحقيق التوازن في المنطقة.

منذ اندلاع التصعيد الأخير، سعت روسيا إلى الحفاظ على موقعها كوسيط محتمل في الأزمة، خاصة في ظل علاقاتها الوثيقة مع كل من إيران وسوريا، فضلاً عن وجود تفاهمات أمنية مع إسرائيل بشأن الأوضاع في سوريا. لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى تستطيع موسكو لعب دور فاعل في احتواء هذه الأزمة؟

رغم أن روسيا مشغولة حالياً بالحرب في أوكرانيا، إلا أن الشرق الأوسط يظل ساحة استراتيجية مهمة بالنسبة للكرملين. فمنذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015، عززت موسكو نفوذها في المنطقة وأصبحت لاعباً لا يمكن تجاوزه في المعادلة الإقليمية. لكن التصعيد الحالي يضعها في موقف معقد، إذ يتوجب عليها تحقيق توازن دقيق بين دعم حلفائها التقليديين مثل إيران وسوريا، وبين الحفاظ على علاقاتها مع دول أخرى مثل إسرائيل ودول الخليج.

ماريا إيفانوفا، الباحثة في معهد موسكو للعلاقات الدولية، ترى أن “روسيا تواجه تحدياً حقيقياً في الأزمة الحالية، إذ إنها لا تستطيع التخلي عن إيران وسوريا، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في الدخول في صدام مباشر مع إسرائيل أو القوى الغربية”. وتضيف: “موسكو تحاول لعب دور الوسيط، لكنها تدرك أن تأثيرها محدود مقارنة بالقوى الإقليمية الأخرى مثل الولايات المتحدة”.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن استمرار التوتر في الشرق الأوسط قد يكون في مصلحة روسيا، خاصة إذا أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، وهو ما يمنح موسكو هامشاً أكبر للمناورة في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها.

العلاقة مع السعودية: شراكة استراتيجية رغم الخلافات

على الرغم من أن تصريحات بوتين ركزت بشكل أساسي على الأزمة في الشرق الأوسط، إلا أنه لم يغفل الإشارة إلى العلاقات الروسية – السعودية، مؤكداً أن موسكو تسعى إلى تعزيز التعاون مع الرياض. هذه العلاقة، التي شهدت تحسناً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، تستند إلى عدة عوامل، أبرزها التعاون في إطار تحالف “أوبك+”، والذي كان له دور كبير في ضبط أسواق النفط العالمية.

ألكسندر لابين، الخبير في الشؤون النفطية، يرى أن “العلاقة بين روسيا والسعودية أصبحت أكثر براغماتية، حيث يركز الطرفان على المصالح الاقتصادية بدلاً من الخلافات السياسية”. ويضيف: “الرياض تدرك أهمية موسكو كلاعب رئيسي في سوق الطاقة، وروسيا من جانبها تسعى للحفاظ على علاقاتها مع السعودية كجزء من استراتيجيتها لتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية”.

لكن، رغم هذه الشراكة، هناك ملفات تظل موضع خلاف بين البلدين، مثل الموقف من الأزمة الأوكرانية، حيث امتنعت السعودية عن اتخاذ موقف حاد ضد روسيا، لكنها في الوقت نفسه لم تقدم دعماً علنياً لموسكو.

إيران وإسرائيل: هل تستطيع موسكو احتواء التصعيد؟

يبدو أن أكثر ما يقلق موسكو في الأزمة الحالية هو التوتر المتزايد بين إيران وإسرائيل، والذي قد يجر المنطقة إلى صراع أوسع. فقد أشارت تقارير روسية إلى أن الكرملين يسعى إلى تجنب أي تصعيد يؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا، التي تعد منطقة نفوذ رئيسية لموسكو في الشرق الأوسط.

إيفانوفا ترى أن “روسيا لا ترغب في رؤية تصعيد بين إيران وإسرائيل، لأن ذلك قد يؤثر سلباً على تواجدها في سوريا، وربما يجبرها على التدخل بطريقة لا تريدها”. وتضيف أن “موسكو تحاول استخدام قنواتها الدبلوماسية للحد من التوتر، لكن من غير الواضح ما إذا كانت جهودها ستنجح في ظل التعقيد المتزايد في المشهد الإقليمي”.

أما في إسرائيل، فيبدو أن هناك حالة من الترقب تجاه الموقف الروسي، إذ إن تل أبيب لا تزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع موسكو، رغم الخلافات حول أوكرانيا. لكن في حال تصاعدت المواجهة مع إيران، فقد تجد روسيا نفسها مضطرة لاتخاذ موقف أكثر وضوحاً، وهو ما قد يضعها في موقف صعب.

مع تصاعد التوترات في المنطقة، تجد روسيا نفسها أمام اختبار دبلوماسي صعب. فمن ناحية، تسعى للحفاظ على دورها كوسيط مؤثر في الصراعات الإقليمية، ومن ناحية أخرى، تحتاج إلى حماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

وفي ظل هذه التعقيدات، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع موسكو بالفعل منع تحول التوترات الحالية إلى حرب شاملة، أم أن الأزمة ستتجاوز قدرتها على التأثير، مما سيدفعها إلى التركيز على إدارة تداعياتها بدلاً من منع وقوعها؟

error: Content is protected !!