Russian President Vladimir Putin walks past a guard during a ceremony honouring the country's Olympians and Paralympians at the Kremlin in Moscow, Russia April 26, 2022. REUTERS/Maxim Shemetov TPX IMAGES OF THE DAY
Spread the love

تثير تصريحات فلاديمير بوتين الأخيرة حول احتمال نشوب صراع واسع النطاق بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) تساؤلات خطيرة حول مستقبل الأمن العالمي. فبينما يؤكد الرئيس الروسي أن العالم سيكون على بعد “خطوة واحدة من حرب عالمية ثالثة” في حال اندلاع هذا الصراع، تزداد المؤشرات على تصاعد التوترات بين موسكو والغرب، خصوصًا في ظل الوجود غير المعلن لقوات من الناتو داخل أوكرانيا.

لكن، هل نحن فعلاً على أعتاب مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو؟ أم أن هذه التصريحات تأتي في إطار تكتيك روسي لاستعراض القوة وتعزيز أوراق موسكو التفاوضية؟ هذه الأسئلة تستوجب تحليلًا معمقًا للواقع الجيوسياسي الحالي.

تشير تصريحات بوتين إلى تصعيد متعمد في الخطاب السياسي الروسي، يعكس عدة نقاط رئيسية.

من خلال التأكيد على وجود قوات غربية داخل أوكرانيا، يسعى بوتين إلى تصوير الحرب الحالية على أنها ليست مجرد صراع بين موسكو وكييف، بل مواجهة بين روسيا والناتو.

التلميح إلى أن أي مواجهة مباشرة مع الناتو قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة يعكس رغبة موسكو في ردع التدخل الغربي المتزايد في أوكرانيا.

تلميحات بوتين إلى وقوع قتلى غربيين في ساحة المعركة تهدف إلى إرباك الرأي العام الأوروبي والأمريكي، وتصوير أي تصعيد إضافي على أنه قرار تتحمل مسؤوليته العواصم الغربية.

ورغم هذه التهديدات، يظل السؤال الأهم: هل يمتلك بوتين القدرة والنية الحقيقية لفتح جبهة مواجهة مباشرة مع الناتو؟

رغم تصاعد الخطاب الروسي، إلا أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن موسكو لا ترغب حقًا في مواجهة مفتوحة مع الناتو، وذلك لعدة أسباب:

تدرك روسيا أن أي مواجهة مباشرة مع الناتو ستؤدي إلى مواجهة نووية محتملة، وهو سيناريو لا تريده موسكو ولا الغرب.

لا تزال الاستراتيجية الروسية تركز على إنهاك أوكرانيا أولًا، من خلال تدمير بناها التحتية وإضعاف قدرتها العسكرية، قبل التفكير في أي مواجهة أوسع.

رغم محاولات موسكو إعادة توجيه اقتصادها نحو الحرب، فإنها لا تزال تعاني من تبعات العقوبات الغربية، مما يجعل فتح جبهة جديدة ضد الناتو مخاطرة كبرى.

رغم دعم الدول الغربية المستمر لكييف، إلا أن الحلف لا يزال حذرًا في تجنب خطوات قد تؤدي إلى تصعيد مباشر مع روسيا، بما في ذلك رفض إرسال قوات رسمية إلى أوكرانيا.

وعليه، فإن تصريحات بوتين ليست إعلانًا عن حرب قادمة، بقدر ما هي رسالة سياسية تهدف إلى تقليص هامش المناورة لدى الغرب وزيادة الضغوط على كييف.

يأتي هذا التصعيد الروسي بالتزامن مع إعلان بوتين فوزه بنسبة قياسية تقارب 88% في الانتخابات الرئاسية، وسط اتهامات بالتلاعب. وبالتالي، يمكن النظر إلى هذه التصريحات من زاوية السياسة الداخلية الروسية، حيث:

يعزز بوتين صورته كـ”حامي روسيا” في مواجهة الغرب، مما يساعده على ترسيخ قبضته على السلطة. ويستخدم خطاب الحرب لصرف الأنظار عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد نتيجة العقوبات الغربية. كما يروج لمفهوم “روسيا المحاصرة” من قبل الناتو، مما يدفع المواطنين الروس للالتفاف حول قيادته تحت ذريعة الدفاع عن الوطن.

وفي هذا السياق، تصبح هذه التهديدات جزءًا من حملة بوتين لإعادة تأكيد سيطرته المطلقة على المشهد السياسي الروسي، وليس بالضرورة تمهيدًا لحرب فعلية.

في ظل هذه التوترات، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل الأزمة:

استمرار الحرب بالوكالة، سيبقى هذا السيناريو الأكثر احتمالًا، حيث يواصل الغرب دعم أوكرانيا عسكريًا دون تدخل مباشر، بينما تستمر روسيا في محاولاتها لتحقيق مكاسب على الأرض.

تصعيد محدود بين روسيا والناتو، فقد نشهد ضربات عسكرية أكثر عدوانية من موسكو ضد خطوط الإمداد الغربية داخل أوكرانيا، أو حتى استهداف بعض النقاط القريبة من حدود الناتو، دون أن يتطور الأمر إلى حرب شاملة.

انفجار الصراع وتحوله إلى مواجهة مباشرة، رغم أنه السيناريو الأقل احتمالًا، فإن أي خطأ استراتيجي أو حادثة غير محسوبة قد تؤدي إلى تصعيد غير مقصود بين روسيا والناتو، مما يفتح الباب أمام نزاع واسع النطاق.

رغم التحذيرات المتزايدة من بوتين، لا يبدو أن العالم بات قريبًا من حرب عالمية ثالثة. ومع ذلك، فإن التطورات العسكرية في أوكرانيا، وطريقة تعامل الناتو مع إرسال المزيد من الأسلحة المتطورة، بالإضافة إلى الانتخابات الأمريكية القادمة وتأثيرها على الموقف الغربي من الحرب، كلها عوامل قد تحدد مسار الصراع في الأشهر المقبلة.

يبقى السؤال الأكبر: هل ينجح بوتين في ردع الغرب عبر التهديد بحرب شاملة، أم أن استراتيجيته ستدفع بالناتو إلى خطوات تصعيدية جديدة؟

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!