يعتبر قطاف فطر الكمأة من الأنشطة الموسمية الزراعية المهمة والمنتظرة في مناطق متفرقة في سوريا، ومصدرا للرزق للعديد من العائلات، خصوصا تلك التي تسكن في مناطق البادية الممتدة بين الجنوب والشمال السوري بمحاذاة الحدود العراقية.
جمع فطر الكمأة نشاط محفوف بالمخاطر، أودى البحث عنه بحياة كثيرين، سواء عبر الألغام المنتشرة بكثرة أو عبر عمليات قتل واستهداف غامضة.
الاستهلاك بمواجهة التصدير
لا تُستهلك الكمأة بأغلبيتها في الأسواق المحلية في سوريا، ويُطرح بعضها في تلك الأسواق، وتختلف أسعارها من منطقة لأخرى، ويعاد تصدير معظمها إلى دول الخليج العربي.
ويعد هذا الموسم من أكثر المواسم وفرة في الكمأة، وبأحجام قياسية سجلها وزن الفطر، وصل وزن بعض الحبّات منها إلى خمسة كيلوجرامات.
تصنف الكمأة إلى عدة أنواع حسب الحجم واللون، كـ”الزبيدي” و”الحرقة” و”الهبري” و”الأسود”، وعلى هذا الأساس تختلف الأسعار التي تزيد كلما زاد حجم الثمرة.
ومن النادر وجود من يقطف الكمأة بهدف الاستهلاك الشخصي، وأغلب من يقطفها يكون هدفه بيعها نظرا إلى ارتفاع أسعارها.
صحيفة “تشرين” المحلية، قالت إن كميات الكمأة المصدرة فاقت الـ 600 طن خلال عشرة أيام، منذ 25 من آذار الماضي، حتى 6 من نيسان الحالي.
وقال عضو لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه محمد العقاد للصحيفة، إن الكمأة تحتل المرتبة الأولى في التصدير تليها البندورة والتفاح وبعض أنواع الفواكه والحمضيات، وتعد المملكة العربية السعودية الوجهة الأكثر استقبالا للمنتجات المصدرة من السوق تليها الكويت وبعض دول الخليج مثل الإمارات وقطر.
وبلغت قيمة صادرات المنتجات الزراعية من دمشق 72.73 مليون دولار أمريكي، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، أعلى نسبة منها كان فطر الكمأة، وفق تصريحات رئيس مجلس إدارة غرفة زراعة دمشق بشار الملك، لصحيفة “الثورة” المحلية.
ونقلت صحيفة “الثورة” عن عضو لجنة سوق “الهال” بدمشق محمد العقاد قوله، في 23 من آذار/مارس الماضي، إن حركة التصدير خلال هذه الأيام، وباتجاه عدد من الدول العربية “جيدة” وخاصة الكمأة.
وأضاف العقاد أن “هناك طلبا كبيرا” على الكمأة، وأن 15 سيارة منها صُدّرت إلى السعودية خلال آذار، إلى جانب 17 سيارة أُرسلت إلى الكويت.
أسعار متبدلة
في مدينة الحسكة، شمال شرقي سوريا، يصدّر القسم الأكبر من الكمأة إلى الأسواق في مناطق سيطرة النظام السوري، ليعاد تصدير معظمها إلى دول الخليج العربي.
ويشتري تجار محليون الكيلوجرام الواحد في الحسكة بأسعار تتراوح بين 50 ألفًا و100 ألف ليرة سورية، حسب نوع وحجم حبة الكمأة (كل دولار يعادل 7625 ليرة سورية).
وتعتبر منطقة جبل عبد العزيز وريف المنطقة الجنوبي والشرقي في محافظة الحسكة، والأماكن القريبة من الحدود العراقية، من المواقع التي ينتشر فيها نبات الكمأة.
كذلك تعد محافظة دير الزور المصدر الرئيسي للكمأة في سوريا، وشهدت أسواق المدينة منتصف آذار/مارس الماضي، ارتفاعا قياسيا في أسعار الكمأة، ووصل سعر الكيلو الواحد في اليوم الأول لطرحها أكثر من 100 ألف ليرة سورية.
ومع طرح الأنواع والأحجام المتعددة في السوق تراوحت أسعار الكيلو من 45 ألف ليرة سورية إلى 200 ألف ليرة.
فطر الكمأة ينبت في الأراضي المحمية التي لا تتعرض لعمليات الحراثة والبذار والتسميد وغيرها من العمليات الزراعية، ما يفسر وجوده في “المحميات الطبيعية” وفي بادية الرقة والحسكة ودير الزور، وتعد كثرة البرق المصاحب للأمطار مؤشرا على “وفرة الكمأة”.
يوجد موسمين لقطاف الكمأة حسب الظروف الجوية، شتوي (من تشرين الثاني حتى شباط)، وموسم قصير آخر خلال الربيع، في محافظات مثل دير الزور، التي تعتبر المصدر الرئيس للكمأة.
وتعتبر ثمرة الكمأة غنية بالفوسفور والصوديوم والبوتاسيوم ومضادات الأكسدة، وتوصف بأنها ابنة البرق والرعد، ويفيض موسمها إن جاء المطر في أوائل الخريف، وسعرها ضعف سعر اللحوم، وتحضّر بطرائق متعددة، حسب البيئة وما تشتهر به.
ويعتمد العاملون في جمع الكمأة على قطعة معدنية أو خشبية صغيرة ينبشون بها التراب بحثا عن الكمأة ذات اللون القريب من لون التربة.
يصل فطر الكمأة إلى معظم دول الخليج، وأبرزها الإمارات، ويرسله التجار عبر مطار “دمشق” الدولي، إلى مطار “الشارقة” لينتشر في أسواق الإمارات السبع، ويضاف إلى عاملي النوع والحجم عامل أجور النقل ليختلف سعره من إمارة إلى أخرى.
ويبلغ سعر الكيلوغرام من النوع “الأسود” (الأسمر) 100 درهم إماراتي، ويبلغ السعر من نوع “الزبيدي” 125 درهمًا (كل دولار يعادل 3.6 درهم).
لم يعد الخروج لجمع الكمأة رحلة “ممتعة” كما في الماضي، بعد أن فقد العديد من الأشخاص حياتهم في أثناء رحلة البحث عنها جراء العديد من الأسباب، كالهجمات التي يقف خلفها مجهولون، أو انفجار الألغام الأرضية والقنابل من مخلّفات الحرب.
وتتضمن أخطار البحث عن الكمأة ما يتعلق بالألغام المنتشرة في المنطقة أو التعرض للسلب خلال التوغل في البادية بحثا عنها، لذا يفضّل البحث عنها ضمن جماعات، وهو ما يزيد من احتمالية إصابة أحدهم بلغم مزروع.
وقُتل في شباط/فبراير الماضي، ما يقارب 75 شخصا من جامعي الكمأة في البادية السورية، في ظروف غامضة، واتُهم بتنفيذ الهجوم عناصر تتبع لتنظيم “داعش” تنشط في المنطقة.