الخميس. أكتوبر 17th, 2024

تأثير التغير المناخي على المياه العذبة في الشرق الأوسط

يعد الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق جفافًا في العالم، حيث تعاني العديد من دول المنطقة من ندرة المياه العذبة. مع تزايد تأثيرات التغير المناخي، تتفاقم مشكلة المياه في هذه المنطقة، مما يضع ضغوطًا إضافية على الموارد المائية المحدودة، وهو ما يعرض الأمن المائي للخطر. التغير المناخي يؤدي إلى تقلبات غير متوقعة في أنماط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ما يؤثر سلبًا على مصادر المياه العذبة مثل الأنهار، البحيرات، والمياه الجوفية. تعتمد العديد من الدول العربية بشكل كبير على مصادر مائية مشتركة، مما يزيد من التحديات الإقليمية لإدارة المياه بشكل مستدام.

الجفاف وتغير أنماط الهطول المطري

أحد أبرز آثار التغير المناخي على المياه العذبة في الشرق الأوسط هو الجفاف المتزايد وتغير أنماط الهطول المطري. وفقًا للعديد من الدراسات، من المتوقع أن تشهد المنطقة انخفاضًا كبيرًا في معدل تساقط الأمطار خلال العقود القادمة، خاصة في المناطق التي تعتمد بشكل رئيسي على الأمطار كمصدر رئيسي للمياه.

العراق، على سبيل المثال، يعتمد بشكل كبير على نهري دجلة والفرات اللذين يأتيان بمعظم مياههما من دول مجاورة مثل تركيا وسوريا. ومع انخفاض معدلات الأمطار في هذه الدول، أصبحت كمية المياه التي تصل إلى العراق أقل بكثير، مما يهدد الزراعة والمناطق الريفية التي تعتمد على الأنهار.

في دول مثل الأردن واليمن، أصبحت مصادر المياه الطبيعية شديدة الإجهاد، وأصبحت الأمطار غير منتظمة بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى فترات طويلة من الجفاف تتخللها فيضانات قصيرة وغير متوقعة. هذه الفيضانات تسبب تآكل التربة وتضر بالبنية التحتية، وتؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من المياه التي لا يمكن تخزينها بشكل فعال.

الدكتور سامر الجابري، أستاذ علم المناخ والبيئة، يوضح خلال حديثه لـ”شُبّاك” بأن التغير المناخي يمثل تحديًا كبيرًا لمنطقة الشرق الأوسط، التي تعتمد بشكل كبير على مصادر المياه العذبة المشتركة مثل الأنهار والمياه الجوفية. متابعا بأن التأثيرات المناخية تخلق تغييرات كبيرة في أنماط الهطول المطري، ما يؤدي إلى الجفاف المتكرر ونقص التدفق المائي في الأنهار. هذا يؤدي إلى تقليص كمية المياه المتاحة للاستخدام البشري والزراعي، ويضع ضغوطًا إضافية على المجتمعات المحلية التي تعتمد على هذه الموارد.

أحد أكبر المخاوف يتعلق بالمياه الجوفية، فمع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد استهلاك المياه، نجد أن المياه الجوفية تتعرض للاستنزاف بمعدل أسرع مما يمكن تجديده بشكل طبيعي. وهذا يؤثر على الزراعة بشكل خاص، إذ تعتمد العديد من المناطق الزراعية على استخراج المياه الجوفية بشكل مكثف. الحل يكمن في إدارة المياه بشكل أكثر كفاءة، بما في ذلك إعادة تدوير المياه، والانتقال إلى نظم ري حديثة يمكن أن تقلل من الهدر المائي، وفق الجابري.

علاوة على ذلك، يضيف الجابري بأن تزايد اعتماد دول الخليج على تحلية المياه يُعد من الحلول الحيوية للتغلب على نقص الموارد المائية الطبيعية. ومع ذلك، فإن التوسع في هذا القطاع يتطلب استثمارات ضخمة في الطاقة، وهو ما يزيد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما قد يؤدي إلى آثار بيئية غير مرغوبة على المدى الطويل.

من بين أبرز تأثيرات التغير المناخي في الشرق الأوسط هو ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي إلى زيادة معدلات التبخر من المسطحات المائية والخزانات المائية المفتوحة. زيادة التبخر تؤدي إلى تقليص كمية المياه العذبة المتاحة للاستخدام الزراعي والإنساني.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى نضوب المياه الجوفية، وهي مصدر رئيسي للمياه العذبة في العديد من الدول العربية. المياه الجوفية تستغرق عقودًا لتتجدد، ومع الاستخدام المتزايد لها دون تجديد مناسب، تصبح غير متاحة. هذا ينطبق بشكل خاص على دول مثل السعودية والإمارات التي تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية.

ندرة المياه والصراعات الإقليمية

الصراعات المائية هي أحد المخاطر الجدية التي يفاقمها التغير المناخي في الشرق الأوسط. تعتمد العديد من الدول العربية على مصادر مائية مشتركة، مثل نهري النيل والفرات. مع تزايد الطلب وانخفاض العرض بسبب التغير المناخي، تتزايد احتمالات نشوب صراعات إقليمية حول توزيع المياه.

أحد أبرز الأمثلة هو النزاع حول نهر النيل، حيث تعتمد دول مثل مصر والسودان على المياه التي تأتي من إثيوبيا عبر النيل الأزرق. بناء إثيوبيا لسد النهضة الكبير يثير مخاوف من أن يقلل من كمية المياه التي تصل إلى مصر والسودان، مما يثير توترات دبلوماسية بين هذه الدول. ومع تزايد الجفاف وانخفاض الأمطار في هذه الدول، تزداد الضغوط على الحكومات لإيجاد حلول للتقاسم العادل للمياه.

في ظل هذه التحديات الهائلة، تبحث دول الشرق الأوسط عن حلول مبتكرة للتكيف مع تأثيرات التغير المناخي على موارد المياه العذبة. من بين أبرز الحلول:

تقنيات تحلية المياه: تعتمد العديد من الدول العربية، مثل السعودية والإمارات، بشكل متزايد على محطات تحلية المياه كمصدر أساسي للمياه العذبة. وعلى الرغم من أن تحلية المياه تعد حلاً فعّالًا لمواجهة ندرة المياه، إلا أنها تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، ما يزيد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

إدارة المياه بشكل أكثر كفاءة: تشمل الحلول أيضًا تحسين كفاءة استخدام المياه في القطاعين الزراعي والصناعي. استخدام تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، يمكن أن يقلل من الفاقد في المياه ويزيد من كفاءة استخدامه.

إعادة تدوير المياه: تسعى بعض الدول إلى تعزيز برامج إعادة تدوير المياه للاستخدامات الزراعية والصناعية. على سبيل المثال، تعد سنغافورة رائدة في هذا المجال، حيث تطبق تقنيات متقدمة لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي للاستخدام في الري والصناعة.

التعاون الإقليمي: يعد التعاون الإقليمي أمرًا حاسمًا في مواجهة ندرة المياه. تحتاج الدول التي تعتمد على الأنهار المشتركة إلى وضع آليات فعالة لتوزيع المياه بشكل عادل بين الدول المعنية.

المهندسة ندى الحسن، الخبيرة في إدارة الموارد المائية، توضح في حديثها لـ”شُبّاك” بأن من أهم تداعيات التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط هو الزيادة الكبيرة في التبخر، الذي يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من المياه العذبة. ومع ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، أصبحت الموارد المائية السطحية مثل البحيرات والأنهار مهددة بالنضوب. هذا يجعل من الصعب على العديد من الدول العربية، مثل الأردن واليمن، توفير احتياجات سكانها من المياه. كما أن ضعف البنية التحتية المتعلقة بتخزين المياه يجعل من الصعب على هذه الدول التعامل مع الفيضانات المفاجئة التي تتبع فترات الجفاف.

أما في ما يتعلق بالصراعات الإقليمية على الموارد المائية المشتركة، فنرى أن التغير المناخي يزيد من حساسية هذه النزاعات. على سبيل المثال، نهر النيل الذي يمر عبر عدة دول يشكل مصدر توتر كبير، خاصة بين مصر وإثيوبيا والسودان. وبدون تعاون إقليمي حقيقي وإدارة منسقة للمياه، فإن هذه النزاعات قد تتفاقم مع تزايد ندرة المياه.

للتعامل مع هذه التحديات، يجب على الدول في المنطقة تعزيز التعاون الإقليمي، وفق الحسن، بخاصة فيما يتعلق بتقاسم الموارد المائية المشتركة. الحلول التقنية، مثل استخدام المياه المعالجة في الزراعة وتطوير مشاريع تحلية المياه، يمكن أن تساعد في تخفيف الأزمة، لكنها لن تكون كافية بدون سياسات واستراتيجيات شاملة ترتكز على إدارة مستدامة للمياه وتخفيف النزاعات المائية.

تُعد أزمة المياه العذبة في الشرق الأوسط تحديًا ملحًا يتفاقم مع تأثيرات التغير المناخي. إذا لم تُتخذ إجراءات فعالة للتكيف مع هذه التأثيرات، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم النزاعات الإقليمية ويؤثر بشكل كبير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تحتاج المنطقة إلى تعزيز التعاون الإقليمي، وتبني تقنيات جديدة لإدارة الموارد المائية، وتحقيق التكامل بين استراتيجيات التكيف مع التغير المناخي لضمان استدامة مصادر المياه العذبة للأجيال القادمة.

Related Post