مع تصاعد التوترات العالمية وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية، يبرز التقارب الروسي-الكوري الشمالي كواحد من أكثر التحالفات إثارة للجدل. تأكيد كيم جونغ أون التزامه بتعزيز التعاون مع فلاديمير بوتين في رسالته الأخيرة، واتفاقهما على شراكة استراتيجية شاملة تشمل اتفاق دفاع متبادل، يشير إلى تحول نوعي في العلاقة بين بيونغ يانغ وموسكو.
لكن، هل هذا التحالف مجرد زواج مصلحة فرضته الظروف الدولية، أم أنه يعكس تغييرات أعمق في المشهد الجيوسياسي؟ وما تداعياته على الأمن العالمي، خاصة في ظل الاتهامات المتزايدة بشأن دعم كوريا الشمالية لروسيا عسكرياً في حربها ضد أوكرانيا؟
مع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث، باتت روسيا في حاجة ماسة إلى مصادر بديلة للذخائر والصواريخ والمدفعية لتعويض استهلاكها الكبير في الميدان. حيث تشير تقارير استخباراتية غربية إلى أن كوريا الشمالية زوّدت روسيا بصواريخ وقذائف مدفعية مقابل دعم اقتصادي وعسكري.
بينما تعاني كوريا الشمالية من عقوبات دولية صارمة جعلت اقتصادها في وضع هش، ما يجعلها بحاجة ماسة إلى المساعدات الغذائية والاقتصادية التي يمكن أن توفرها روسيا. إلى جانب ذلك، تسعى بيونغ يانغ للحصول على تكنولوجيا متقدمة خاصة في أنظمة الصواريخ والطائرات المسيرة من موسكو، لتعزيز قدراتها العسكرية.
تعتبر موسكو وبيونغ يانغ واشنطن العدو المشترك، حيث تسعى روسيا إلى إضعاف الهيمنة الغربية على النظام العالمي، بينما تسعى كوريا الشمالية إلى مواجهة الضغط الأمريكي المستمر لعزلها دبلوماسياً واقتصادياً. أما التحالف بين البلدين يمثل محاولة لإعادة تشكيل ميزان القوى العالمي، عبر بناء محور جديد مناهض للغرب.
إن استمرار كوريا الشمالية في تزويد روسيا بالأسلحة قد يمنح موسكو تفوقاً تكتيكياً في المعارك الدائرة، مما يطيل أمد الصراع في أوكرانيا، وهذا التعاون يرفع من احتمالات توسيع نطاق العقوبات الدولية ضد موسكو وبيونغ يانغ، مما يعزز عزلة البلدين ولكنه لا يوقف تعاونهما.
إن أي تحالف عسكري بين روسيا وكوريا الشمالية يعزز موقف بيونغ يانغ الإقليمي، مما يثير قلق كل من كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تعتبران التهديد النووي لكوريا الشمالية أولوية أمنية قصوى. وهذا سيؤدي إلى تعزيز التعاون العسكري بين واشنطن وطوكيو وسيول، مما قد يزيد من الاستقطاب العسكري في المنطقة، ويمهد لمزيد من المناورات والتصعيد العسكري.
رغم تحالفها الوثيق مع روسيا، تبقى الصين حذرة بشأن أي تقارب روسي-كوري شمالي قد يؤدي إلى تصعيد في شبه الجزيرة الكورية. فإن بكين لا ترغب في حرب جديدة بين الكوريتين أو تصعيد يستدعي تدخلاً أمريكياً موسعاً في المنطقة.
إن العداء المشترك للولايات المتحدة وحلفائها يجعل العلاقة بين البلدين أقوى. لا سيما وأن روسيا بحاجة إلى الذخائر الكورية الشمالية، وكوريا الشمالية بحاجة إلى التكنولوجيا والدعم الروسي. كذلك فإن روسيا تقدم غطاءً سياسياً ودبلوماسياً لكوريا الشمالية في الأمم المتحدة، بينما تقدم بيونغ يانغ دعماً عسكرياً لموسكو.
إن افتقار هذا التعاون إلى الأسس الأيديولوجية العميقة، فإنه يبعد أي تطابق في الأهداف طويلة الأمد، بل بأن يكون تحالف مدفوع بالمصلحة اللحظية. في حين أن كوريا الشمالية ترغب في استعراض قوتها، فإن موسكو لا تريد أن تتورط في صراع جديد في شبه الجزيرة الكورية، فأي دعم عسكري مباشر من روسيا لكوريا الشمالية قد يؤدي إلى تشديد العقوبات الدولية، مما قد يضر بموسكو اقتصادياً.
واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون سيركزون على فرض مزيد من العقوبات على كوريا الشمالية وروسيا، لكن هذه العقوبات لم تثنِ البلدين عن تعاونهما حتى الآن. كذلك فإن سيول وطوكيو ستعززان التعاون العسكري مع واشنطن، مما قد يؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة.
بينما بكين ستظل حذرة، حيث تحاول تجنب تأجيج أي توترات تؤثر على مصالحها الاقتصادية في المنطقة. أما الدول غير المنحازة، مثل الهند والبرازيل، قد تحاول لعب دور الوساطة لتقليل التوترات.
رغم أن العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية تبدو كتحالف استراتيجي، فإنها في جوهرها مجرد شراكة مصلحية مؤقتة، حيث تحتاج موسكو إلى الذخائر، بينما تحتاج بيونغ يانغ إلى الدعم التكنولوجي والاقتصادي. لكن هذا لا يقلل من خطورة هذه الشراكة، إذ إنها تمثل تحدياً مباشراً للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وتهدد بإعادة تشكيل التحالفات في آسيا وأوروبا.
في ظل تصاعد التوترات العالمية، يظل السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لهذا التحالف أن يستمر قبل أن تتعارض مصالح الطرفين؟
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ