In this pool photograph distributed by the Russian state agency Sputnik, Russia's President Vladimir Putin meets with Iran's President Masoud Pezeshkian on the sidelines of an international forum "Interrelation of times and civilizations - basis of peace and development" dedicated to the 300th anniversary of poet Magtymguly Fragi's birthday in Ashgabat on October 11, 2024. (Photo by Alexander SHCHERBAK / POOL / AFP)
Spread the love

رغم كل الضجيج الإعلامي الذي صاحب زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو وتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران، فإن القراءة المتأنية لهذا التحالف تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى متانته وقدرته على تحقيق الأهداف التي يطمح إليها الطرفان. فرغم محاولات الطرفين إظهاره كتحالف استراتيجي يعيد رسم موازين القوى العالمية، فإن الواقع يشير إلى أنه تحالف تكتيكي محدود الإمكانات، قائم على الضرورات وليس على التوافقات العميقة أو المصالح المتبادلة طويلة الأمد.

يحاول الخطاب الروسي والإيراني تصوير الاتفاقية الموقعة على أنها قد تحدث تحول كبير في النظام الدولي، لكن عند التدقيق، يتضح أن هذا التعاون لا يرقى إلى مستوى التحالفات الراسخة بين القوى العظمى. فالوثيقة الموقعة ليست معاهدة دفاع مشترك، ولا تنطوي على التزامات حاسمة بين البلدين بقدر ما هي إطار عام لتعزيز التعاون في مجالات اقتصادية وعسكرية، ضمن حدود ما تسمح به المصالح المتباينة لكل طرف.

فعلى الرغم من أن روسيا وإيران تواجهان عقوبات غربية، إلا أن حاجاتهما الاستراتيجية مختلفة، وتعاونهما لا يستند إلى قاعدة صلبة من المصالح المشتركة بقدر ما يقوم على الضرورات السياسية والتكتيكية. فموسكو تسعى لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط عبر إيران، لكنها في الوقت ذاته تبقي قنواتها مفتوحة مع دول عربية أخرى قد لا ترغب في هذا التحالف. أما طهران، فتبحث عن دعم روسي لبرنامجها العسكري وتوسيع نفوذها الإقليمي، لكن روسيا لم تقدم لها ما هو أكثر من الدعم السياسي والدبلوماسي، دون التورط في صراعات مباشرة تخدم أجندة إيران الإقليمية.

على الصعيد الاقتصادي، لا يمكن مقارنة التعاون الروسي-الإيراني بالتحالفات الاقتصادية الكبرى التي تؤثر فعلياً في بنية النظام الدولي. فكلا البلدين يواجهان عقوبات خانقة، ويعتمدان بشكل رئيسي على الاقتصاد القائم على النفط والموارد الطبيعية، مما يجعلهما في وضع اقتصادي هش. فرغم الحديث عن اتفاقيات اقتصادية ضخمة، فإن حجم التجارة بين البلدين لا يزال محدوداً، كما أن البنية التحتية المالية لا تسمح بتعويض الأسواق الأوروبية أو الصينية التي يعتمد عليها الاقتصاد الروسي بشكل أساسي.

أما عسكرياً، فإن التعاون بين موسكو وطهران، رغم تصاعده في الفترة الأخيرة، يظل غير قادر على قلب موازين القوى العالمية. فرغم استخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية في حربها بأوكرانيا، فإن ذلك لا يشكل تحولاً استراتيجياً في مسار الحرب، بل هو انعكاس لاحتياجات تكتيكية ظرفية. كذلك، لم تمنح روسيا إيران أي تكنولوجيا عسكرية متطورة يمكن أن تغير معادلة التوازن العسكري في المنطقة، ما يعني أن التعاون العسكري بينهما لا يزال في إطار محدود لا يرقى إلى مستوى الشراكات الدفاعية الكبرى.

رغم التحالف الظاهري، هناك خلافات جوهرية بين موسكو وطهران، إذ لا تتطابق أجنداتهما بالكامل في الملفات المشتركة.

وعلى الصعيد الدولي، تتبنى روسيا موقفاً أكثر براغماتية في تعاملها مع الغرب، وتسعى إلى إبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع دول مثل الصين والهند ودول الخليج، بينما تتبنى إيران سياسة أكثر عدائية تجعلها أكثر عزلة على الساحة الدولية. وهذا الاختلاف في المقاربات قد يؤدي إلى تباينات مستقبلية في الرؤى بين البلدين.

في المقابل، لا يبدو أن الغرب يرى في هذا التحالف تهديداً مباشراً، بل على العكس، قد يكون التقارب بين روسيا وإيران فرصة لزيادة عزلة البلدين وتقييد خياراتهما الاستراتيجية. فروسيا تحتاج إلى دعم اقتصادي وتكنولوجي متطور لا يمكن أن توفره إيران، كما أن العقوبات المفروضة على طهران تجعل من الصعب عليها تقديم دعم مالي كبير لموسكو.

إضافة إلى ذلك، فإن هذا التقارب قد يدفع الدول المجاورة، مثل تركيا ودول الخليج، إلى تعزيز علاقاتها مع الغرب لموازنة النفوذ الإيراني-الروسي، وهو ما قد يكون مكسباً استراتيجياً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
خلاصة: تحالف الضرورة لا التحالف الاستراتيجي

في النهاية، يمكن القول إن التقارب بين موسكو وطهران هو تحالف ضرورات أكثر منه تحالفاً استراتيجياً طويل الأمد. فهو قائم على المصالح المشتركة في مواجهة الغرب، لكنه يفتقر إلى الأسس المتينة التي تجعله قادراً على الاستمرار كتحالف قوي قادر على إعادة تشكيل النظام الدولي. فروسيا تبحث عن حلفاء لتجاوز العزلة المفروضة عليها، وإيران تسعى إلى الحصول على مكاسب عسكرية وسياسية، لكن في المحصلة، يظل كل طرف منهما يسعى لتحقيق مصالحه على حساب الآخر، مما يجعل من هذا التحالف هشاً وقابلاً للانهيار عند أول اختبار حقيقي لمتانته.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!