Spread the love

وسط تصاعد الدعوات إلى تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، يبرز سؤال أساسي: هل يمكن للعالم تحقيق تحول سريع ومنصف في قطاع الطاقة؟ أم أن التوقعات المبالغ فيها تصطدم بالحقائق الاقتصادية والعملية؟

خلال مشاركته في مؤتمر «أسبوع الطاقة الدولي» في سنغافورة، شدد أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية»، على أن التحول الطاقي في آسيا والعالم النامي أبطأ بكثير مما توقعه الكثيرون، وأكثر تعقيداً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. وأوضح أن العديد من الخطط الطموحة التي تبنتها الدول الكبرى تفتقر إلى الواقعية عندما يتعلق الأمر بالدول النامية، مشيراً إلى أن الاستغناء السريع عن النفط والغاز غير ممكن في ظل استمرار تزايد الطلب العالمي على الطاقة.

وأشار الناصر إلى أن استمرار الاعتماد على الطاقة التقليدية لا يعني فشل التحول الطاقي بقدر ما يعكس تحدياته الجوهرية، إذ أن الطلب على النفط والفحم لا يزال عند مستويات قياسية رغم الاستثمارات الضخمة في مصادر الطاقة البديلة، مما يسلط الضوء على الصعوبات التي تواجه الانتقال إلى نموذج طاقي مستدام.

الطلب العالمي على النفط: بين التراجع والاستقرار

رغم التقديرات المتفائلة حول انخفاض الطلب العالمي على النفط بحلول عام 2050، فإن الناصر يرى سيناريو مختلفاً تماماً. فقد أكد أن الطلب على النفط سيظل عند مستوى 100 مليون برميل يومياً حتى منتصف القرن، وهو ما يتناقض مع توقعات بعض المحللين الذين يرون أن الاستهلاك العالمي سينخفض إلى 25 مليون برميل يومياً.

وحذر الناصر من أن أي انخفاض حاد في إنتاج النفط قبل ضمان بدائل موثوقة قد يؤدي إلى أزمة في أمن الطاقة والقدرة على تحمل التكاليف، لا سيما في الاقتصادات الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتلبية احتياجاتها التنموية.

لا تزال آسيا تستهلك أكثر من 50% من إمدادات الطاقة العالمية، وتعتمد بنسبة 84% على المصادر التقليدية مثل النفط والفحم والغاز. ومع تزايد الطلب على الطاقة بفعل النمو السكاني والتوسع الصناعي، فإن مصادر الطاقة المتجددة لا تزال تلعب دوراً تكميلياً وليس بديلاً فعلياً.

وأشار الناصر إلى أن البدائل الطاقية لم تؤدِ إلى إحلال فعلي للطلب على الوقود التقليدي، بل أنها بالكاد تواكب النمو المستمر في استهلاك الطاقة. ويؤكد أن هناك فجوة ضخمة في التمويل، حيث تحتاج الدول النامية إلى نحو 6 تريليونات دولار سنوياً لتمويل تحولها الطاقي، وهو رقم يفوق بكثير القدرات المالية المتاحة لهذه الدول.

المركبات الكهربائية: هل تؤثر على الطلب على النفط؟

يعد قطاع النقل من أكبر مستهلكي النفط، ومع ذلك، فإن التقدم في تبني المركبات الكهربائية يواجه تحديات هائلة في الدول النامية. ففي حين تسير الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخطى متسارعة نحو الكهربة، لا تزال آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية متخلفة بسبب ارتفاع التكاليف وضعف البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية.

وأشار الناصر إلى أن حتى لو ازداد انتشار السيارات الكهربائية، فإن 75% من الطلب العالمي على النفط يأتي من قطاعات أخرى، مثل النقل الثقيل والصناعات البتروكيماوية، وهي قطاعات لا تزال تفتقر إلى بدائل مجدية من الناحية الاقتصادية.

وفي هذا السياق، يرى الخبير الطاقي هشام العباسي أن “إهمال هذه الحقيقة والتركيز فقط على المركبات الكهربائية كوسيلة لخفض الطلب على النفط يعد قراءة سطحية للمشهد الطاقي العالمي”. ويضيف: “هناك قطاعات لن تتمكن من الاستغناء عن النفط في المستقبل القريب، مثل النقل الجوي والشحن البحري والصناعات البتروكيماوية”.

رغم الحديث عن ذروة الطلب على الوقود في الصين، فإن أرامكو السعودية متفائلة بمستقبل السوق الصينية، خاصة بعد إعلان الحكومة الصينية عن حزمة تحفيز اقتصادي تهدف إلى إنعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وأوضح الناصر أن الطلب على وقود الطائرات يشهد نمواً ملحوظاً في الصين، وهو ما يعزز التوقعات باستمرار الاستهلاك القوي للنفط. كما أكد أن «أرامكو» تعتزم زيادة قدرتها على تحويل النفط إلى مواد بتروكيماوية إلى 4 ملايين برميل يومياً، مع تركيز استثماري واضح على الصين.

لكن في المقابل، هناك أصوات تشكك في هذه التقديرات، حيث يشير بعض المحللين إلى أن الطلب على الوقود التقليدي في الصين قد وصل بالفعل إلى ذروته أو يقترب من ذلك، بفعل التوسع السريع في استخدام المركبات الكهربائية وتزايد الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال في قطاع النقل.

أزمة الطاقة بين الاحتياجات التنموية والسياسات البيئية

يبدو أن النقاش حول مستقبل الطاقة سيظل مفتوحاً لفترة طويلة، فبينما تؤكد الشركات الكبرى مثل «أرامكو» على استمرارية الطلب على النفط، يرى آخرون أن العالم يتجه نحو استبدال مصادر الطاقة التقليدية بوتيرة أسرع مما تتوقعه صناعة النفط.

ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد زيدان أن “التحول الطاقي ليس مجرد مسألة تكنولوجية أو بيئية، بل هو مسألة اقتصادية وسياسية بالدرجة الأولى”. ويوضح: “إذا لم تتمكن الدول النامية من تحمل تكاليف التحول، فإن أي سياسات طاقية مفروضة من الخارج ستؤدي إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية”.

من جهتها، تدعو «أرامكو» إلى نهج أكثر واقعية في سياسات التحول الطاقي، مشددة على أن الحل لا يكمن فقط في استبدال النفط، بل في تحسين كفاءة استخدامه، وتقليل انبعاثات الكربون عبر تطوير تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة ودعماً حكومياً مستمراً.

ما بين الطموحات البيئية والواقع الاقتصادي، لا يزال مستقبل الطاقة محكوماً بمعادلة معقدة. وبينما تسعى الدول المتقدمة إلى تسريع التخلي عن الوقود الأحفوري، تواجه الدول النامية صعوبة في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي ومتطلبات التحول الطاقي.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتجه الدول الكبرى إلى فرض سياسات تحول طاقي تتجاهل واقع الدول النامية؟ أم أن العالم سيشهد تحولاً أكثر واقعية وإنصافاً يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات التنموية للجنوب العالمي؟

error: Content is protected !!