التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في بودابست في لقاء يعكس تعميق الشراكات الاستراتيجية بين دولتين تتشابك أولوياتهما السياسية والاقتصادية في سياق دولي مضطرب.
تعكس مواقف تركيا والمجر من انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي ديناميكيات معقدة. رغم إعلان أردوغان في يوليو/تموز الماضي دعمه لانضمام السويد، لا تزال المجر مترددة في التصويت، مما يجعلها شريكاً غير تقليدي لأنقرة في هذا الملف. هذا التأخير يعكس سياسة أوربان التي تعتمد على التوازن بين مصالح المجر داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من جهة، والحفاظ على علاقات ودية مع الكرملين من جهة أخرى.
يستخدم أوربان هذا الملف كورقة ضغط سياسي لتعزيز موقعه كصانع قرار إقليمي في قضايا حساسة تتجاوز حدود المجر. في السياق ذاته، تشير تصريحات وزير الخارجية المجري حول تأجيل التصويت إلى أن بودابست تسعى للحفاظ على موقف استراتيجي يمنحها مزيداً من النفوذ داخل الناتو.
أمن الطاقة كان محوراً رئيسياً في المحادثات، حيث تعتمد المجر بشكل كبير على الغاز الروسي المنقول عبر خط أنابيب “تورك ستريم”، الذي يعزز دور تركيا كمركز أساسي لنقل الطاقة إلى أوروبا. التعاون التركي-المجري في هذا المجال يعكس محاولات كلا البلدين لتعزيز استقلالهما في مواجهة الضغوط الغربية.
تأتي هذه الشراكة في وقت تشتد فيه أزمة الطاقة في أوروبا بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، مما يبرز أهمية الدور التركي كوسيط ومورد للطاقة. في المقابل، تسعى المجر لتعزيز موقعها كمركز إقليمي لتخزين ونقل الغاز من مصادر مختلفة، بما في ذلك أذربيجان.
يتماشى تعميق الشراكة بين أنقرة وبودابست مع السياسة المجرية المتمثلة في “الانفتاح على الشرق”، التي انتهجها أوربان منذ سنوات. هذه السياسة تهدف إلى تعزيز العلاقات مع دول آسيا الوسطى والصين في إطار البحث عن بدائل اقتصادية وسياسية بعيداً عن الهيمنة الغربية.
علاقات المجر مع روسيا، التي ظلت ودية رغم الحرب في أوكرانيا، تعد جزءاً من استراتيجية أوسع يسعى من خلالها أوربان لتحقيق استقلال سياسي أكبر عن الاتحاد الأوروبي، مع الحفاظ على علاقات قوية مع الحلفاء الشرقيين.
اللقاءات الدبلوماسية التي نظمها أوربان خلال بطولة العالم لألعاب القوى، والتي شملت زعماء من آسيا الوسطى وغرب البلقان، تسلط الضوء على توجه بودابست نحو تعزيز تحالفات غير تقليدية بعيداً عن الغرب. غياب الحلفاء الغربيين عن هذه الاجتماعات يعكس التوتر المستمر بين أوربان والدول الأوروبية التي تتهمه بانتهاج سياسات استبدادية ومعادية للقيم الليبرالية.
يُظهر اللقاء كيف تسعى تركيا لتعزيز دورها كمركز حيوي لنقل الطاقة إلى أوروبا، مما يمنحها ورقة ضغط إضافية في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
سياسات أوربان تُظهر محاولة لتحويل المجر إلى حلقة وصل بين أوروبا الغربية والشرق، مما يعزز موقعها كفاعل إقليمي رغم التوترات مع الاتحاد الأوروبي.
التعاون بين تركيا والمجر يعكس اتجاهاً نحو بناء تحالفات بديلة تعيد تشكيل النظام الدولي في ظل تصاعد التوترات بين الشرق والغرب.
في هذا السياق، يُبرز تحالف أوربان مع أردوغان نموذجاً لتحالفات بين دول تسعى لتقويض الهيمنة الغربية التقليدية من خلال شراكات استراتيجية جديدة. هذه التحالفات تعتمد على تقاطع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، مع التركيز على قضايا مثل أمن الطاقة والسيادة الوطنية.
كيف يمكن لتحالفات تركيا والمجر أن تعيد صياغة المشهد السياسي الأوروبي؟ وهل يستطيع هذا التحالف مواجهة الضغوط الغربية وتحقيق أهدافه دون التورط في صراعات أكبر؟ وكيف سيؤثر تعميق التعاون في مجال الطاقة على مواقف البلدين داخل الناتو وفي سياق الصراع الأوسع مع روسيا؟
اللقاء بين أردوغان وأوربان يعكس عمق التغيرات التي يشهدها النظام الدولي، حيث تسعى دول مثل تركيا والمجر لتعزيز موقعها من خلال تحالفات غير تقليدية تستجيب لتحديات المرحلة. هذا التحالف يُبرز أهمية استقلالية القرار الوطني في سياق تحولات دولية متسارعة، لكنه يحمل أيضاً مخاطر تصعيد التوترات مع الغرب، مما يجعل مستقبله محفوفاً بالتحديات والفرص على حد سواء.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ