A worker operates equipment operated by GCA (Gas Connect Austria) and TAG (Trans Austria Gas pipelines) at one of the largest interconnection gas hubs in Europe at Baumgarten an der March, Lower Austria. - The facility mainly receives Russian imports, but takes also shipments of gas from Norway and some other countries. These supplies are re-routed to consumption centers in Austria and in Europe via a number of pipeline systems running in various directions. The Baumgarten hub consists of gas reception, metering and testing facilities. (Photo by JOE KLAMAR / AFP)
Spread the love

في تصعيد جديد للصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، أعلنت موسكو تحميل كييف وواشنطن مسؤولية وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية، معتبرة أن القرار يأتي ضمن خطة أمريكية لإعادة تشكيل خريطة الطاقة العالمية على حساب الاستقرار الأوروبي. المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، شددت في بيان رسمي على أن “الولايات المتحدة ونظام كييف يتحملان المسؤولية الكاملة عن قرار وقف ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، وهو قرار يعكس تلاعبًا جيوسياسيًا يهدف إلى إضعاف الاقتصاد الروسي وإجبار أوروبا على الاعتماد بشكل أكبر على الغاز الأمريكي مرتفع التكلفة”.

من جهتها، أكدت شركة “غازبروم” الروسية أن الاتفاق المبرم لنقل الغاز عبر أوكرانيا انتهى مع بداية يناير/كانون الثاني الجاري، مشيرة إلى أنها لم تعد تمتلك الإمكانيات الفنية أو القانونية لمواصلة عمليات الضخ عبر الأراضي الأوكرانية. لكن في المقابل، تصر كييف على أن قرارها هو “سيادي واستراتيجي”، ويهدف إلى تقليل النفوذ الروسي على اقتصاد القارة الأوروبية، فيما يرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام أزمة طاقة جديدة في أوروبا، خاصة في ظل ارتفاع الطلب على الغاز خلال فصل الشتاء.

خلفيات القرار: بين الضغوط الأمريكية والمخاوف الأوروبية

يأتي هذا التطور في وقت تعاني فيه أوروبا بالفعل من أزمة طاقة مستمرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث دفعت العقوبات الغربية على موسكو إلى خفض الإمدادات الروسية عبر خطوط الأنابيب التقليدية، مما أجبر دول الاتحاد الأوروبي على البحث عن بدائل مكلفة، بما في ذلك استيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر.

أندريه كوزنيتسوف، المحلل في معهد موسكو للعلاقات الدولية، يعتبر أن “وقف إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في أسواق الطاقة الأوروبية، حيث ستواجه الحكومات الأوروبية تحديات جديدة في تأمين بدائل بأسعار معقولة، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال”. ويضيف شتاينر أن “الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من هذه الأزمة، إذ عززت صادراتها من الغاز إلى أوروبا بشكل غير مسبوق، مما يجعل القارة أكثر ارتباطًا بمزودي الطاقة الأمريكيين”.

من جهته، يؤكد الخبير الروسي في شؤون الطاقة، ألكسندر زوبوف، أن “كييف استغلت هذه الفرصة لممارسة الضغط على الأوروبيين، في محاولة لدفعهم إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري والاقتصادي لها، خاصة بعد تراجع زخم المساعدات الغربية خلال الأشهر الأخيرة”. ويرى زوبوف أن “إصرار أوكرانيا على عدم تجديد اتفاق نقل الغاز يعكس رغبتها في إجبار أوروبا على اتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد موسكو، حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار سوق الطاقة الأوروبية”.

تداعيات القرار على أوروبا: أزمة طاقة جديدة في الأفق؟

مع دخول فصل الشتاء ووصول الطلب على الغاز إلى ذروته، تجد الدول الأوروبية نفسها أمام تحدٍ كبير يتمثل في كيفية تأمين إمدادات كافية من الغاز دون التسبب في ارتفاع جديد في الأسعار، التي شهدت بالفعل زيادات حادة منذ اندلاع الحرب. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي نجح في تقليل اعتماده على الغاز الروسي خلال العامين الماضيين، إلا أن القرار الأوكراني يثير تساؤلات حول مدى قدرة أوروبا على مواجهة أي نقص إضافي في الإمدادات.

الباحث في مجال الطاقة، ياسر جوادي، يشير إلى أن “أوروبا لا تزال تعتمد على الغاز الروسي بطريقة غير مباشرة، حيث يتم نقل كميات عبر تركيا وبيلاروسيا، لكن فقدان خط النقل عبر أوكرانيا سيزيد من تعقيد المشهد”. ويضيف أن “البدائل المتاحة ليست بالضرورة كافية لسد الفجوة التي سيتركها الغاز الروسي، مما قد يؤدي إلى زيادة الضغط على السوق ورفع الأسعار بشكل أكبر”.

بدوره، يرى أشرف عايد، المختص في الجغرافيا السياسية للطاقة، أن “قرار كييف قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد تجد أوروبا نفسها مضطرة للبحث عن طرق أخرى للتفاوض مع موسكو، خاصة إذا أدى نقص الإمدادات إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في بعض الدول الأكثر اعتمادًا على الغاز الروسي مثل ألمانيا والنمسا وإيطاليا”.

موسكو والرد المحتمل: هل تلجأ روسيا إلى التصعيد؟

من جهتها، لم تتأخر موسكو في الإشارة إلى أن قرار كييف سيؤدي إلى “مزيد من الفوضى في سوق الطاقة العالمية”، ملمحة إلى أن روسيا قد ترد عبر اتخاذ إجراءات أخرى، مثل خفض الإمدادات عبر المسارات المتبقية، أو فرض قيود جديدة على تصدير الغاز إلى بعض الدول الأوروبية التي تدعم أوكرانيا.

أندريه كوزنيتسوف، المحلل في معهد موسكو للعلاقات الدولية، يؤكد أن “روسيا قد تلجأ إلى استخدام الطاقة كسلاح سياسي للضغط على العواصم الأوروبية، خاصة إذا استمرت هذه الأخيرة في دعم كييف عسكريًا واقتصاديًا”. ويضيف أن “احتمالية تصعيد موسكو لهذا الملف ستعتمد على مدى تأثير القرار الأوكراني على سوق الطاقة العالمية، وإذا ما كان سيؤدي إلى تعزيز موقف الولايات المتحدة في أوروبا بشكل كبير”.

مع استمرار التقلبات في سوق الطاقة، تجد الحكومات الأوروبية نفسها أمام خيارات محدودة، حيث سيتعين عليها تعزيز استيراد الغاز الطبيعي المسال، أو البحث عن بدائل جديدة مثل زيادة الإنتاج المحلي أو تسريع مشاريع الطاقة المتجددة. لكن هذه الحلول قد لا تكون كافية على المدى القصير، مما يعني أن أسعار الطاقة قد تبقى مرتفعة خلال الأشهر المقبلة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الضغط الشعبي على الحكومات الأوروبية، خاصة في الدول الأكثر تضررًا من ارتفاع تكاليف المعيشة.

في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع أوروبا مواجهة تداعيات وقف الغاز الروسي عبر أوكرانيا دون أن تدفع ثمنًا اقتصاديًا باهظًا، أم أن الأزمة ستجبرها على إعادة النظر في استراتيجياتها تجاه موسكو وكييف؟ المستقبل القريب سيكشف عن مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على التكيف مع هذه التحديات، وما إذا كانت موسكو ستستخدم ملف الطاقة لممارسة مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية في مواجهة خصومها الغربيين.

error: Content is protected !!