تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين: الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضر بحركة التجارة العالمية أيضاً.
في الآونة الأخيرة، تزايدت التوترات في منطقة القرن الأفريقي، حيث يهدد الصراع بين الصومال وإثيوبيا باندلاع حرب قد تؤثر ليس فقط على استقرار المنطقة بل على التجارة العالمية أيضًا. هذا الصراع لا يقتصر على نزاعات داخلية متجذرة، بل يتضمن تقاطعات مع قوى إقليمية ودولية، تجعل من إمكانية تفادي التصعيد أمرًا معقدًا.
يمتد النزاع الحالي إلى قضايا قديمة تتعلق بالنزاعات الحدودية والمظالم التاريخية بين دول المنطقة. مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي في يناير الماضي كانت الشرارة التي أطلقت هذه الأزمة. بتوقيع هذه المذكرة، اعترفت إثيوبيا فعليًا بسيادة إقليم أرض الصومال، الذي لم يحظ بأي اعتراف دولي منذ إعلانه استقلاله في 1991. بالنسبة للصومال، كان هذا الاتفاق يعد تهديدًا لسيادتها.
التحركات السياسية والدبلوماسية
تعتبر مذكرة التفاهم جزءًا من استراتيجية إثيوبيا للحصول على منفذ إلى البحر الأحمر، والذي فقدته بعد استقلال إريتريا في عام 1993. هذه التحركات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل لها أبعاد سياسية، حيث تسعى إثيوبيا إلى تعزيز نفوذها في القرن الأفريقي من خلال إقامة قواعد عسكرية في الإقليم، وهو ما أثار قلق دول أخرى مثل مصر والصومال.
من جانبها، بدأت مقديشو في تعزيز علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية لمواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد. وقعت الصومال اتفاقيات دفاعية مع تركيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، ما دفع بإثيوبيا إلى اتهام الصومال بالتواطؤ مع جهات خارجية.
دخلت مصر على خط الأزمة بسرعة، حيث حذرت إثيوبيا من المساس بأمن الصومال وسيادته. هذه التحركات تأتي في سياق النزاع الممتد بين القاهرة وأديس أبابا حول سد النهضة، حيث تعتبر مصر أن إثيوبيا تحاول زعزعة استقرار المنطقة. التعاون العسكري بين مصر والصومال، بما في ذلك إرسال شحنات أسلحة وتعاونات دفاعية، زاد من توتر العلاقات بين مصر وإثيوبيا، التي اعتبرت أن هناك تدخلات خارجية تهدف إلى إضعاف نفوذها في المنطقة.
الصراع على النفوذ في البحر الأحمر
من الواضح أن الصراع الحالي في القرن الأفريقي يتجاوز حدود الخلافات الثنائية بين إثيوبيا والصومال، حيث يشكل البحر الأحمر نقطة محورية في هذا النزاع. دبلوماسية الموانئ التي تنتهجها إثيوبيا تأتي في إطار سعيها لاستعادة النفوذ على البحر الأحمر بعد خسارته عقب استقلال إريتريا.
إثيوبيا ترى أن السيطرة على الموانئ البحرية أمر حيوي لتعزيز اقتصادها وتحقيق تنميتها، لكن دولًا أخرى مثل مصر وإريتريا تنظر إلى هذه التحركات بعين القلق. هذه القوى الإقليمية تخشى أن يؤدي نفوذ إثيوبيا المتزايد إلى الإضرار بمصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر، وهو ما يفسر تدخل مصر وإريتريا في الأزمة الصومالية لتعزيز استقرار المنطقة وحماية مصالحهما.
لا يقتصر الصراع الحالي في القرن الأفريقي على القوى الإقليمية فقط، بل هناك تدخلات من قوى دولية مثل الولايات المتحدة وتركيا وروسيا والصين. حيث تسعى كل منها إلى تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة. تعتبر تركيا واحدة من أبرز اللاعبين الدوليين في الصومال، حيث تمتلك قاعدة عسكرية في مقديشو، بينما تواصل روسيا والصين تعزيز وجودهما العسكري والاقتصادي في المنطقة من خلال إقامة قواعد عسكرية واستثمارات استراتيجية.
السيناريوهات المحتملة
- التصعيد العسكري:
السيناريو الأكثر تطرفًا هو اندلاع حرب مباشرة بين الصومال وإثيوبيا، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بالكامل، خاصة في ظل تدخلات إقليمية ودولية. هذا التصعيد قد يتطور إلى حرب بالوكالة، حيث تدعم كل من مصر وإريتريا قوات محلية مناهضة لإثيوبيا في الصومال.
- الحل الدبلوماسي:
من ناحية أخرى، قد يتم التوصل إلى تسوية دبلوماسية بوساطة دولية، حيث تلعب قوى مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة دورًا في تهدئة التوترات. قد يتطلب هذا الاتفاق تقديم تنازلات من كلا الطرفين، بما في ذلك قبول إثيوبيا بشروط جديدة بشأن منفذها إلى البحر الأحمر، وضمان سيادة الصومال على أراضيه.
- استمرار التوترات دون صراع مباشر:
السيناريو الثالث يتمثل في استمرار التوترات بين البلدين دون اندلاع حرب مباشرة، لكن مع ذلك، قد يؤدي هذا التوتر إلى تفكك داخلي داخل كلا البلدين، حيث تستغل الفصائل المسلحة المحلية الوضع لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
في ضوء تعقيد هذا النزاع الإقليمي وتشابك المصالح الدولية والإقليمية، يبدو أن الحلول العسكرية ليست خيارًا مستدامًا. إذ يتطلب حل الأزمة جهدًا دوليًا منسقًا يشمل جميع الأطراف المعنية، مع تعزيز التعاون الإقليمي والتوصل إلى اتفاقيات تضمن الاستقرار في القرن الأفريقي.