اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من الإجراءات التجارية العدائية ضد الصين والاتحاد الأوروبي، مما أشعل فتيل حرب تجارية جديدة قد تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي. ومع فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية بنسبة 10% على البضائع الصينية و25% على السلع المستوردة من كندا والمكسيك، ردت الصين بفرض رسوم مماثلة على الفحم والغاز الطبيعي والنفط الخام الأمريكي، بينما لوّح الاتحاد الأوروبي بردّ “حازم” في حال استهدافه اقتصاديًا.
لكن السؤال الأهم الآن هو؛ إلى أين تتجه هذه الحرب التجارية؟ وهل يمكن أن تتصاعد لتؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره؟
إجراءات ترامب التصعيدية: هل هي لحماية الاقتصاد أم سياسة عقابية؟
برّر الرئيس الأمريكي تصعيده التجاري بأن هذه الإجراءات تهدف إلى وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين والمخدرات إلى الولايات المتحدة، ومعاقبة الدول التي لا تتعاون مع واشنطن في هذا الملف. لكن من الواضح أن الأهداف تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تشمل، إضعاف الصين اقتصاديًا عبر فرض رسوم جمركية تعيق صادراتها إلى الأسواق الأمريكية. والضغط على الاتحاد الأوروبي لإعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية أكثر تفضيلًا للولايات المتحدة، وتقليل العجز التجاري الأمريكي عبر فرض ضرائب على الواردات وزيادة الاستثمارات في الصناعات المحلية.
يقول عمر الكيلاني، الباحث في الشؤون الاقتصادية الدولية: “ترامب يستخدم التعريفات الجمركية كأداة سياسية بقدر ما هي اقتصادية. إنه يسعى إلى فرض الهيمنة الأمريكية على الأسواق العالمية، حتى لو كان ذلك يعني تصعيد المواجهة مع القوى الاقتصادية الكبرى مثل الصين وأوروبا.”
الصين ترد بقوة: التصعيد أم التفاوض؟
لم تتأخر الصين في الرد بالمثل على إجراءات واشنطن، حيث أعلنت فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على الفحم والغاز الطبيعي الأمريكي، و10% على النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات الثقيلة. كما رفعت دعوى لدى منظمة التجارة العالمية ضد واشنطن، معتبرة أن هذه السياسات “خبيثة بطبيعتها” وتهدد التعاون الاقتصادي العالمي.
وفي هذا السياق، يقول ليو جيان، المحلل الاقتصادي في بكين: “الصين لن تتراجع بسهولة أمام الضغوط الأمريكية. بكين لديها بدائل تجارية يمكنها استخدامها، مثل تعزيز شراكاتها مع روسيا وأمريكا اللاتينية، وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية تدريجيًا.”
لكن السؤال المطروح هنا هو: هل ستكتفي الصين بالرد الجمركي، أم أنها قد تتخذ خطوات أخرى أكثر حدة، مثل تقليص صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة؟
الاتحاد الأوروبي يحذر: “لن نقف مكتوفي الأيدي”
في الجبهة الأوروبية، جاء رد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أكثر صرامة، حيث أكدت أن بروكسل لن تقبل بأي إجراءات تعسفية أمريكية، محذرة من أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ إجراءات مضادة حازمة في حال استهداف صادراته.
وفي تصريحاتها عقب قمة قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أكدت أن مثل هذه الإجراءات “تزيد تكاليف التشغيل، وتضر بالمستهلكين، وترفع معدلات التضخم”، مستبعدة أن يكون لها نتائج إيجابية على الاقتصاد العالمي.
من جانبه، يرى أنطوان دوفيلييه، الخبير في الاقتصاد الأوروبي، أن موقف الاتحاد الأوروبي قد يكون أكثر تعقيدًا من موقف الصين، ويوضح: “على عكس الصين، لا يمكن لأوروبا أن تدخل مواجهة اقتصادية مفتوحة مع واشنطن، لأن الاقتصاد الأوروبي يعتمد بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة. لكن في الوقت نفسه، الاتحاد الأوروبي لن يقف مكتوف الأيدي وسيرد بطريقة محسوبة.”
ماذا بعد؟ هل تتحول المواجهة إلى حرب اقتصادية شاملة؟
مع تصاعد الضغوط الأمريكية وردود الفعل الصينية والأوروبية، يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الاقتصادي. فإذا استمر هذا التصعيد، فقد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي بسبب التوترات التجارية، وإعادة تشكيل التحالفات التجارية، مع توجه الصين وأوروبا لتعزيز التعاون بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، واضطراب الأسواق المالية، حيث قد تتأثر قيمة العملات وسوق الأسهم بسبب حالة عدم اليقين.
يقول إيهاب محمود، المحلل المالي في لندن: “المرحلة القادمة ستكون حاسمة. إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقات دبلوماسية بين هذه القوى الاقتصادية، فقد نشهد واحدة من أشرس الحروب التجارية منذ الأزمة المالية العالمية.”
يبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن واشنطن من فرض إرادتها على الصين وأوروبا، أم أن الردود المضادة ستجعل ترامب يعيد النظر في استراتيجيته؟
الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل هذه المواجهة، حيث ستراقب الأسواق والحكومات عن كثب كيفية تفاعل كل طرف مع التصعيد المستمر. وفي ظل غياب أي مؤشرات على حوار حقيقي لتخفيف التوترات، فإن الحرب التجارية قد تكون في طريقها للتصاعد إلى مرحلة أكثر خطورة مما شهدناه في السنوات الماضية.