Spread the love

أثار تقرير “لجنة المساواة وحقوق الإنسان” في بريطانيا جدلًا واسعًا بعد أن كشف عن استمرار ارتفاع معدلات جرائم الكراهية الدينية، مع التركيز على أن الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية يمثلان الدافعين الرئيسيين لهذه الجرائم.

وفقًا لبيانات وزارة الداخلية البريطانية، فإن المسلمين كانوا الأكثر استهدافًا، حيث تعرضوا لـ42% من جرائم الكراهية الدينية المسجلة خلال عامي 2021-2022، بينما استُهدِف اليهود بنسبة 23%، والمسيحيون بنسبة 8%. اللافت في التقرير أن جرائم الكراهية الدينية لم تسجل تراجعًا بنفس الوتيرة التي انخفضت بها الجرائم الأخرى منذ عام 2018، وهو ما يعكس استمرار ظاهرة التمييز الديني في المجتمع البريطاني، رغم الجهود القانونية والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهتها.

يشير التقرير إلى أن الأحداث السياسية والهجمات الإرهابية والتوترات الدولية تلعب دورًا كبيرًا في تأجيج جرائم الكراهية ذات الطابع الديني أو العرقي. فقد لاحظت اللجنة حدوث “زيادات مفاجئة” في هذه الجرائم بعد هجمات إرهابية أو تطورات سياسية عالمية، حيث تؤدي هذه الأحداث إلى حالة استقطاب حادة داخل المجتمع البريطاني، تدفع بعض الأفراد والجماعات إلى استهداف الأقليات الدينية والعرقية.

لكن التقرير لم يأخذ في الاعتبار الارتفاع المحتمل في جرائم الكراهية التي وقعت بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في أكتوبر الماضي، وما تبعه من تصاعد التوترات بين المجتمعات المسلمة واليهودية في بريطانيا.

الدكتور داني سميري، الباحث في حقوق الإنسان، يرى أن “جرائم الكراهية في بريطانيا ليست فقط انعكاسًا للتطرف الأيديولوجي، بل هي نتيجة مباشرة للأحداث الدولية، حيث تتأثر المجتمعات المحلية بالمواقف السياسية والعسكرية التي تشهدها مناطق النزاع في الشرق الأوسط وأوروبا”.

الإسلاموفوبيا: استمرار الاستهداف رغم الجهود الحكومية

رغم المحاولات المتكررة للحد من الإسلاموفوبيا، فإن المسلمين لا يزالون الفئة الأكثر استهدافًا في جرائم الكراهية الدينية في بريطانيا. تزايدت المخاوف بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، حيث شهدت السنوات التالية ارتفاعًا في الخطاب القومي المتطرف، مما أدى إلى زيادة الهجمات ضد المسلمين والمهاجرين بشكل عام.

الدكتورة أمينة خان، المتخصصة في دراسات الإسلاموفوبيا، ترى أن “تصاعد الإسلاموفوبيا في بريطانيا لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج لسنوات من التغطية الإعلامية السلبية التي صورت المسلمين بشكل غير عادل كخطر أمني محتمل، وهو ما ساهم في خلق بيئة مشحونة بالتحيز والتمييز”.

معاداة السامية: عودة التهديدات إلى الواجهة؟

رغم أن المسلمين يمثلون الفئة الأكثر استهدافًا، إلا أن معاداة السامية شهدت أيضًا ارتفاعًا ملحوظًا، حيث شكلت الهجمات ضد اليهود 23% من جرائم الكراهية الدينية المسجلة في التقرير. التوترات المتزايدة بين المجتمعات اليهودية والمسلمة في بريطانيا، خاصة في ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أدت إلى تصاعد الاعتداءات المتبادلة، سواء على الأفراد أو على المؤسسات الدينية والتعليمية الخاصة بالمجتمعين.

إيلي روزنبرغ، الباحث في الشؤون اليهودية، يرى أن “تصاعد معاداة السامية في بريطانيا يعود إلى زيادة التطرف على الجانبين، حيث تؤدي المواقف السياسية تجاه إسرائيل والصراع في الشرق الأوسط إلى ردود فعل محلية متوترة، ما يجعل الجالية اليهودية هدفًا للهجمات اللفظية والجسدية”.

في ظل هذه المعطيات، أوصت “لجنة المساواة وحقوق الإنسان” باتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لهذه الظاهرة، من بينها، تعزيز تدريبات الشرطة البريطانية لكشف الجرائم ذات الدوافع الدينية والتعامل معها بفعالية، وتطوير برامج توعوية داخل المدارس والجامعات لتعزيز التعايش الديني والثقافي بين مختلف المكونات الاجتماعية، وفرض رقابة أكثر صرامة على المحتوى الرقمي الذي يروج للكراهية الدينية أو التحريض ضد الأقليات، ودعم المجتمع المدني في مواجهة التمييز من خلال تمويل المبادرات التي تهدف إلى التقريب بين المجتمعات الدينية المختلفة.

لكن هناك مخاوف من أن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية، خاصة في ظل المناخ السياسي المتوتر الذي تشهده بريطانيا حاليًا، حيث تصاعدت خطابات اليمين المتطرف، وتزايد استهداف الأقليات بشكل ملحوظ.

الدكتور داني سميري، يرى أن “القوانين وحدها لا تكفي لمعالجة هذه الأزمة، بل يجب أن يكون هناك تحول ثقافي حقيقي في طريقة تعامل المجتمع مع التنوع الديني، وإلا فإن جرائم الكراهية ستستمر في التصاعد، حتى لو تم تشديد القوانين”.

رغم أن الحكومة البريطانية تدرك خطورة تصاعد جرائم الكراهية الدينية، إلا أن التعامل مع الظاهرة يظل محكومًا بالاعتبارات السياسية والمصالح الحزبية. ففي السنوات الأخيرة، كانت هناك انتقادات للحكومة بسبب عدم تحركها السريع لمواجهة الإسلاموفوبيا، وأيضًا بسبب تساهلها في مواجهة خطاب الكراهية ضد اليهود، وهو ما يجعل الحلول المطروحة غير كافية لمعالجة جذور المشكلة.

المستقبل القريب قد يكون أكثر تحديًا، خاصة مع الاستقطاب المتزايد في المجتمع البريطاني، ومع احتمال تصاعد التوترات بسبب القضايا السياسية الدولية، مثل الصراع في غزة وأوكرانيا. وهنا يبرز السؤال الأهم: هل ستتمكن بريطانيا من التصدي لجرائم الكراهية قبل أن تتحول إلى أزمة تهدد تماسكها الاجتماعي؟

error: Content is protected !!