في ظل تصاعد التوتر الإقليمي على خلفية الضربة الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من مسقط، الإثنين، أن المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن متوقفة، مؤكداً أن «الأرضية المناسبة» لهذه المفاوضات لم تعد متوفرة في ظل الظروف الراهنة. يأتي هذا الإعلان بعد أشهر من المحاولات العُمانية لإحياء المفاوضات بين الجانبين، والتي كانت تهدف إلى احتواء التوتر وتجنب تصعيد عسكري أوسع قد يجر المنطقة إلى سيناريوهات غير محسوبة.
التطورات الأخيرة جاءت في أعقاب الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر، حيث أطلقت طهران نحو 200 صاروخ في ردّ مباشر على اغتيال شخصيات قيادية بارزة داخل «محور المقاومة»، بينهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، إضافة إلى ضابط في الحرس الثوري الإيراني. هذا التصعيد أثار قلقاً دولياً، وأدى إلى تعهد إسرائيل بردّ انتقامي، ما وضع المنطقة بأكملها أمام احتمال مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب.
في هذا السياق، يرى حسام عبد الكريم، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن قرار إيران بالتصعيد جاء بعد سلسلة من الضربات التي استهدفت نفوذها الإقليمي. ويضيف: «إيران وجدت نفسها مضطرة للردّ بشكل مباشر، بعدما بات استهداف قادتها وضباطها يشكل تهديداً لبنيتها الأمنية في المنطقة».
لكن، رغم التصعيد العسكري، تبقى إيران حريصة على إبقاء قنواتها الدبلوماسية مفتوحة، كما يتضح من جولة عراقجي في المنطقة والتي شملت العراق، قطر، السعودية، وسلطنة عمان، في محاولة لضبط إيقاع الأزمة، دون الذهاب إلى حرب مفتوحة.
سلطنة عمان: هل تنجح في إعادة إحياء الوساطة؟
لطالما لعبت مسقط دور الوسيط التقليدي بين إيران والولايات المتحدة منذ انقطاع العلاقات بين البلدين عام 1979. وخلال زيارته الحالية، أجرى عراقجي لقاءات مكثفة مع المسؤولين العمانيين، بمن فيهم وزير الخارجية بدر البوسعيدي، حيث دعا الطرفان إلى استخدام الدبلوماسية كأداة رئيسية لاحتواء الصراعات في المنطقة.
لكن، وفقاً لـسيرينا عبد الله، المتخصصة في العلاقات الخليجية – الإيرانية، فإن «دور عُمان كوسيط يبدو أكثر صعوبة هذه المرة، نظراً لتعقيد المشهد الإقليمي والانقسام الحاد بين القوى الدولية حول كيفية إدارة الأزمة». وتضيف أن «تصعيد المواجهة بين إسرائيل وإيران جعل أي وساطة محكومة بسقف منخفض من التوقعات، حيث يصعب تصور اختراق دبلوماسي في ظل غياب أي بوادر تهدئة».
التقارب الإيراني – الصيني: محاولة لإعادة التوازن؟
بالتزامن مع زيارته لمسقط، أجرى عراقجي اتصالاً هاتفياً مع نظيره الصيني وانغ يي، انتقد خلاله الدور الأمريكي في مجلس الأمن و«عرقلة» جهود وقف الحرب في لبنان وغزة. الصين، التي تعزز من وجودها كلاعب رئيسي في المعادلة الإقليمية، ترى في إيران شريكاً استراتيجياً ضمن رؤيتها لمبادرة «الحزام والطريق»، كما أنها تدعم طهران في مواجهة الضغوط الأمريكية.
ليو جانغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في معهد شنغهاي للدراسات الدولية، يشير إلى أن «إيران تدرك أن الصين هي الحليف الذي يمكن الاعتماد عليه دولياً، في وقت تشتد فيه الضغوط الأمريكية». لكنه يضيف أن «الصين، رغم دعمها لإيران، لا ترغب في تصعيد مواجهة مباشرة بين طهران وواشنطن، لأنها تعتمد أيضاً على استقرار المنطقة لضمان تدفق الطاقة».
إعلان توقف المحادثات بين إيران والولايات المتحدة يطرح تساؤلات حول إمكانية استئنافها في المستقبل القريب. فإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي واجهت انتقادات داخلية بعد إخفاقها في احتواء الأزمة الإقليمية، وجدت نفسها أمام مشهد أكثر تعقيداً بعد الضربة الإيرانية لإسرائيل. ورغم الضغوط التي تمارسها واشنطن على طهران عبر العقوبات الاقتصادية، فإن الأخيرة لا تبدو مستعدة لتقديم أي تنازلات، لا سيما بعد نجاحها في فرض معادلة ردع جديدة أمام تل أبيب.
في هذا السياق، يقول ماثيو رايت، المحلل المتخصص لسياسات الشرق الأوسط، إن «البيت الأبيض يواجه معضلة في التعامل مع إيران. فالتصعيد العسكري الأخير يجعل أي مفاوضات غير مقبولة سياسياً داخل واشنطن، في حين أن فشل الدبلوماسية يزيد من احتمالات اندلاع مواجهة واسعة في المنطقة».
إيران بين التصعيد والاحتواء: خيارات محدودة في بيئة معقدة
مع تصاعد التوتر في لبنان وغزة، وزيادة التهديدات الإسرائيلية بالردّ على الضربة الإيرانية، تجد طهران نفسها أمام خيارات معقدة. فمن جهة، تسعى إلى تعزيز موقفها كرأس حربة في «محور المقاومة»، ومن جهة أخرى، تحاول تجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل قد تستنزف قدراتها، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها.
في هذا السياق، يرى عبد الكريم أن «إيران تدرك أنها لا تستطيع المواجهة بشكل مباشر مع إسرائيل في هذه المرحلة، لكنها تستخدم تصعيدها العسكري كورقة ضغط لإعادة فرض قواعد الاشتباك في المنطقة».
لكن، إذا استمرت الأزمة دون وجود آفاق للحل، فقد يجد الطرفان نفسيهما مضطرين إلى الذهاب إلى مواجهة أوسع، وهو السيناريو الذي تخشاه العواصم الإقليمية والدولية على حد سواء.
رغم توقف المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، لا تزال الدبلوماسية تلعب دوراً محورياً في إدارة الأزمة، خصوصاً عبر الوساطة العمانية، التي لا تزال تحاول إيجاد مخرج سياسي يمنع التصعيد من الانفجار بشكل كامل.
لكن، مع استمرار إسرائيل في التهديد بالرد على الهجوم الإيراني، وتنامي التوتر في لبنان وغزة، تبقى احتمالات التصعيد قائمة، ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات تضمن احتواء الموقف قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة. وفي ظل هذه البيئة المتوترة، يبدو أن مستقبل المنطقة يتحدد بناءً على قرارات اللحظة الأخيرة، التي قد تفرض مسارات غير متوقعة على الجميع.