نجح الكونغرس الأمريكي في اللحظات الأخيرة في تمرير مشروع قانون مؤقت للتمويل، مما جنّب الولايات المتحدة إغلاقاً حكومياً كان يبدو وشيكاً. هذا القرار، الذي أيده الديمقراطيون والجمهوريون المعتدلون، يكشف عن ديناميكيات سياسية معقدة داخل الحزب الجمهوري والصراع الأيديولوجي الذي يهيمن على المشهد السياسي الأمريكي.
تمثل الأزمة الأخيرة امتداداً للصراع بين جناحي الحزب الجمهوري: المعتدلين الذين يسعون للحفاظ على سير العمل الحكومي، والمتشددين الذين يستخدمون قضايا التمويل للضغط على القيادة لتحقيق أهداف أيديولوجية. قرار رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي بالتخلي عن مطلب التوافق الجمهوري الحصري لتمرير مشروع القانون يعكس استعداده لتجاوز هذه الانقسامات للحفاظ على استقرار الحكومة، لكنه يعرّض منصبه القيادي للخطر.
الديمقراطيون اعتبروا تمرير مشروع القانون نصراً سياسياً كبيراً، إذ تمكنوا من توحيد صفوفهم لدعم قانون يحظى بتأييد الحزبين. تصويت 209 ديمقراطيين لصالح المشروع مقابل 126 جمهورياً يظهر بوضوح التفاوت في الدعم داخل الحزب الجمهوري، ويبرز قدرة الديمقراطيين على التأثير في قرارات الكونغرس رغم كونهم في موقع الأقلية داخل مجلس النواب.
وصف زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز النتيجة بأنها هزيمة للمتشددين الجمهوريين وانتصار للشعب الأمريكي. هذه النتيجة تعزز موقف الديمقراطيين كقوة معارضة فعالة يمكنها تجاوز الانقسامات الحزبية لتحقيق أهداف وطنية.
قرار مكارثي بتقديم مشروع قانون يحظى بدعم الحزبين أثار استياء الجناح المتشدد داخل الحزب الجمهوري. المتشددون، الذين يعارضون أي تنازلات تجاه الديمقراطيين، قد يرون في هذا القرار سبباً لتحدي قيادة مكارثي وربما السعي للإطاحة به. تصريحات مكارثي، التي أشار فيها إلى استعداده للمخاطرة بمنصبه من أجل الشعب الأمريكي، تعكس إدراكه لحجم الخطر الذي يواجهه داخلياً.
هذا الصراع الداخلي يهدد استقرار الحزب الجمهوري، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 2024، حيث ستحتاج القيادة إلى توحيد الصفوف لتحقيق نتائج انتخابية قوية.
رغم النجاح في تجنب الإغلاق الحكومي، فإن التحديات لم تنتهِ بعد. مشروع القانون المؤقت يوفر تمويلاً حتى منتصف نوفمبر فقط، مما يعني أن الكونغرس سيواجه أزمة مشابهة خلال أسابيع قليلة. بالإضافة إلى ذلك، استثناء المساعدات العسكرية لأوكرانيا من مشروع القانون يضع الولايات المتحدة أمام تساؤلات حول التزامها بمواصلة دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي.
هذا القرار أثار انتقادات من الديمقراطيين والجمهوريين المؤيدين لدعم أوكرانيا، ويمثل اختباراً لقدرة الكونغرس على تجاوز الانقسامات الحزبية لاتخاذ قرارات استراتيجية تعكس التزامات الولايات المتحدة الدولية.
الأزمة الأخيرة في الكونغرس تعكس تداخلاً بين السياسة الداخلية والخارجية. داخلياً، تظهر هشاشة التوازن داخل الحزب الجمهوري وصعوبة التوافق في قضايا وطنية حيوية مثل التمويل الحكومي. خارجياً، يرسل استبعاد المساعدات لأوكرانيا رسالة غير مطمئنة لحلفاء الولايات المتحدة في وقت تحتاج فيه القيادة الأمريكية إلى تأكيد التزامها بالقضايا الدولية.
تجنب الإغلاق الحكومي يمثل نجاحاً مؤقتاً، لكنه يكشف عن عمق الأزمة السياسية في الولايات المتحدة. التوترات داخل الحزب الجمهوري وعدم القدرة على التوافق بشأن الأولويات الوطنية يضع الكونغرس أمام تحديات متكررة تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي. مع اقتراب موعد التمويل الجديد، تبقى الأسئلة قائمة حول قدرة القيادة الأمريكية على تجاوز الانقسامات الحزبية لضمان استمرارية الحكومة ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بفعالية.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ