Spread the love

عندما ظهر الفاطميون في القرن العاشر الميلادي، كان العالم الإسلامي مقسّماً بالفعل بين قوى متصارعة، لكن دخول الفاطميين إلى المشهد شكل تحدياً مباشراً للخلافة العباسية التي كانت تسيطر على بغداد وتعتبر نفسها الممثل الشرعي الوحيد للإسلام.

كان الفاطميون يتبعون المذهب الإسماعيلي الشيعي، وادعوا أنهم الأحق بالخلافة باعتبارهم من نسل علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء. أما العباسيون، فقد اعتبروا أنفسهم ورثة الشرعية الإسلامية باعتبارهم من سلالة العباس، عم النبي محمد.

لكن السؤال الأساسي هنا: هل كانت هذه الحروب بين العباسيين والفاطميين مدفوعة بالخلافات العقائدية، أم أنها كانت في جوهرها صراعاً على السلطة والنفوذ؟

1- صعود الفاطميين: كيف تحولوا إلى تهديد للعباسيين؟

أ- تأسيس الدولة الفاطمية في المغرب

ظهر الفاطميون لأول مرة في المغرب العربي عام 909م، عندما أعلن عبيد الله المهدي نفسه خليفة للمسلمين بعد الإطاحة بحكم الأغالبة.
قاموا بتأسيس دولة قوية ذات جيش منظم ودعم واسع من القبائل البربرية، مما مكنهم من التوسع بسرعة نحو الشرق.
كان هدفهم النهائي الإطاحة بالخلافة العباسية في بغداد وإقامة خلافة فاطمية تمتد من المغرب إلى العراق.

ب- احتلال مصر: نقطة التحول الكبرى

في عام 969م، تمكن الفاطميون بقيادة القائد جوهر الصقلي من فتح مصر وإسقاط الدولة الإخشيدية، مما منحهم السيطرة على واحدة من أغنى وأهم مناطق العالم الإسلامي.
أسسوا مدينة القاهرة وجعلوها عاصمتهم، وأصبح الخليفة الفاطمي المنافس الأقوى للخليفة العباسي في بغداد.

2- الحروب العباسية الفاطمية: مواجهة مباشرة أم صراع بالوكالة؟

أ- الحملات العسكرية المباشرة بين العباسيين والفاطميين

بعد احتلال الفاطميين لمصر، أصبح تهديدهم مباشراً للخلافة العباسية، حيث بدأوا بالتوسع نحو الشام والحجاز، مما دفع العباسيين إلى محاولة التصدي لهم عسكرياً.
في عدة مناسبات، وقعت معارك مباشرة بين جيوش العباسيين والفاطميين، خاصة في الشام، حيث كانت دمشق وحلب نقاط صراع مستمرة بين القوتين.

ب- الصراع على الحجاز ومكة والمدينة

كان الحجاز منطقة رمزية ودينية مهمة، حيث توجد مكة والمدينة، مما جعلها مركزاً للصراع بين العباسيين والفاطميين.
في بعض الفترات، نجح الفاطميون في السيطرة على الحجاز، مما أعطاهم شرعية دينية كبرى، لكن العباسيين كانوا يعملون باستمرار على استعادة النفوذ هناك.

ج- الحروب بالوكالة: الأمراء المحليون بين العباسيين والفاطميين

لم يكن الصراع دائماً بين الجيوش النظامية للعباسيين والفاطميين، بل لعب الحكام المحليون دوراً رئيسياً في الصراع.
على سبيل المثال، كان الحمدانيون في حلب يتنقلون بين الولاء للفاطميين والعباسيين، وفقاً لمصالحهم السياسية والعسكرية.
في الشام، كانت المدن مثل دمشق وحمص والقدس تتغير السيطرة عليها باستمرار بين الفاطميين والعباسيين، حيث كان الصراع قائماً على النفوذ الإقليمي أكثر من كونه حرباً عقائدية.

3- هل كان الصراع مذهبياً أم سياسياً؟

الرأي الأول: الصراع كان مذهبياً بالأساس

الفاطميون كانوا شيعة إسماعيلية، بينما كان العباسيون سنة، وبالتالي كان الصراع امتداداً للخلاف بين السنة والشيعة الذي بدأ منذ معركة كربلاء.
كانت الخطب في المساجد تتضمن تكفير الطرف الآخر، وكان الفاطميون يسعون إلى نشر مذهبهم الإسماعيلي في المناطق التي سيطروا عليها.
تبنّت الدولة الفاطمية الرموز الشيعية علناً، مثل سب الصحابة في بعض الفترات، مما أدى إلى تعزيز الانقسام الطائفي.

الرأي الثاني: الصراع كان سياسياً أكثر منه مذهبياً

رغم الخلاف المذهبي، لم يكن العباسيون يهتمون بمحاربة المذهب الشيعي بقدر ما كانوا يسعون للحفاظ على نفوذهم السياسي.
كان العديد من القادة العباسيين والفاطميين يتعاونون مع خصومهم من نفس المذهب ضد الأعداء المشتركين، مما يدل على أن العقيدة لم تكن دائماً الدافع الرئيسي.
عندما كانت القوة الفاطمية تتراجع، لم يكن المذهب الشيعي مستهدفاً بحد ذاته، بل كانت الفصائل السياسية الفاطمية هي التي تمت محاربتها.

4- نهاية الصراع وسقوط الفاطميين: كيف انتهت الحرب لصالح العباسيين؟

أ- تراجع القوة الفاطمية

بحلول القرن الثاني عشر الميلادي، بدأت الدولة الفاطمية في التراجع بسبب الصراعات الداخلية بين القادة العسكريين والوزراء.
ضعف الخلفاء الفاطميين، وأصبحوا مجرد رموز دون سلطة فعلية، بينما كان الوزراء مثل شاور وضرغام يقاتلون من أجل السلطة.

ب- صعود صلاح الدين الأيوبي ونهاية الفاطميين

في عام 1171م، تمكن صلاح الدين الأيوبي من إسقاط الدولة الفاطمية وإعادة مصر إلى الحكم العباسي.
أنهى صلاح الدين المذهب الإسماعيلي كدين رسمي للدولة، وأعاد مصر إلى المذهب السني، مما أنهى الصراع بين العباسيين والفاطميين.

يبقى السؤال الأهم: هل كان يمكن للعباسيين والفاطميين التعايش بدلاً من الصراع؟

لو كان الصراع مذهبياً بحتاً، لكانت المواجهة شاملة بين جميع السنة والشيعة، لكنها كانت حرباً سياسية أيضاً، حيث تحالفت بعض الفصائل السنية والشيعية ضد خصومها حسب المصالح.
كان يمكن أن تكون هناك فترات هدنة بين العباسيين والفاطميين، لكنها لم تدم طويلاً بسبب الطموحات التوسعية لكلا الطرفين.
لو لم يسقط الفاطميون، كيف كان يمكن أن يتطور العالم الإسلامي؟ هل كان سيبقى مقسوماً بين قوتين متوازيتين، أم أن حرباً أخرى كانت ستعيد تشكيله؟

error: Content is protected !!