رغم أن دورة الطمث هي ظاهرة طبيعية تؤثر على نصف سكان العالم، إلا أنها لا تزال تُعامل في العديد من المجتمعات، خصوصًا في العالم العربي، كمحظور اجتماعي لا ينبغي الحديث عنه علنًا. فبدلًا من اعتبار الحيض عملية بيولوجية طبيعية تتطلب اهتمامًا صحيًا وتوعويًا، يُنظر إليه في كثير من الأحيان كأمر مخجل، أو حتى “نجس”، مما يؤدي إلى عزلة الفتيات والنساء، ويؤثر على صحتهن النفسية والجسدية.
لكن لماذا لا يزال الحديث عن الحيض يثير الإحراج في العديد من الثقافات؟ وكيف تؤثر الوصمة الاجتماعية ونقص التوعية على صحة النساء؟ وهل يمكن كسر هذا الحاجز لجعل قضايا الدورة الشهرية جزءًا طبيعيًا من النقاش الصحي العام؟
كيف يتم التعامل مع الدورة الشهرية في المجتمعات العربية؟
لا تزال الدورة الشهرية محاطة بالخرافات والقيود الاجتماعية، حيث يتم التعامل معها كموضوع لا يجب الحديث عنه علنًا. وتظهر هذه الوصمة في عدة جوانب:
الصمت والتجنب في التربية والتعليم
في معظم الدول العربية، لا يتم الحديث عن الدورة الشهرية في المدارس بشكل كافٍ، وتظل الفتيات يكتشفن هذه المرحلة البيولوجية بمفردهن أو من خلال معلومات غير دقيقة من الأقران.
في بعض العائلات، يتم تجنب الحديث عن الحيض حتى مع الفتيات أنفسهن، مما يجعله تجربة مربكة ومخيفة عند حدوثها لأول مرة.
وصمة العار المرتبطة بالحيض
في بعض المجتمعات، يُنظر إلى الدورة الشهرية على أنها حالة “نجاسة”، مما يؤدي إلى تقييد حركة النساء أثناء الحيض.
لا تزال هناك محظورات دينية واجتماعية تمنع النساء من المشاركة في بعض الأنشطة أثناء فترة الحيض، مثل دخول أماكن العبادة أو الطهي في بعض الثقافات.
إخفاء المنتجات الصحية وعدم الحديث عنها
لا تزال الفتيات يشعرن بالحرج عند شراء الفوط الصحية، ويتم تغليفها أحيانًا في أكياس سوداء في بعض المتاجر، وكأنها شيء يجب إخفاؤه.
في بعض المجتمعات، يتم التحايل على الحديث عن الدورة الشهرية بأسماء مستعارة أو رموز، مما يزيد من الشعور بالخجل تجاهها.
كيف يؤثر الصمت حول الدورة الشهرية على صحة النساء؟
نقص الوعي بالمشاكل الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية
تعاني العديد من النساء من مشاكل صحية خطيرة متعلقة بالحيض، مثل بطانة الرحم المهاجرة، وتكيس المبايض، واضطرابات النزيف، لكن بسبب الوصمة المرتبطة بالحيض، لا يتم التحدث عن هذه المشكلات بشكل كافٍ، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص والعلاج.
ضعف الوصول إلى المنتجات الصحية
في بعض المناطق الفقيرة، تعاني النساء من نقص في المنتجات الصحية الأساسية مثل الفوط الصحية أو السدادات القطنية، مما يجبرهن على استخدام بدائل غير صحية مثل قطع القماش أو الورق، وهو ما قد يؤدي إلى التهابات ومضاعفات صحية خطيرة.
في بعض البلدان، تُفرض ضرائب مرتفعة على المنتجات الصحية النسائية، مما يجعلها بعيدة عن متناول العديد من النساء والفتيات ذوات الدخل المحدود.
التأثير النفسي والعاطفي على الفتيات
يؤدي التعامل مع الدورة الشهرية كمحظور إلى خلق مشاعر سلبية لدى الفتيات، مثل العار والخجل، مما قد يؤثر على ثقتهن بأنفسهن وتقديرهن لذواتهن.
في بعض المجتمعات، تُجبر الفتيات على الانعزال أثناء فترة الحيض، مما يجعلهن يشعرن بأنهن مختلفات أو أقل شأنًا من الآخرين.
التأثير على التعليم والعمل
في بعض البلدان، تتغيب الفتيات عن المدرسة بسبب عدم توفر مرافق صحية ملائمة أو منتجات الدورة الشهرية، مما يؤثر على مستقبلهن التعليمي.
بعض النساء العاملات يواجهن صعوبات في طلب إجازات طبية أثناء فترات الألم الشديد المرتبط بالحيض، حيث يتم اعتبار الأمر “غير جدي”.
رغم أن وسائل الإعلام تلعب دورًا مهمًا في كسر التابوهات والتوعية بالقضايا الصحية، إلا أن الحديث عن الحيض لا يزال محدودًا في:
الإعلانات التجارية:
غالبًا ما يتم تصوير المنتجات الصحية النسائية بطريقة متحفظة للغاية، حيث يتم استبدال لون الدم الحقيقي بسائل أزرق، وكأن الدورة الشهرية شيء لا يجب رؤيته بواقعية.
المسلسلات والأفلام:
نادرًا ما تتناول الدراما العربية قضايا الصحة النسائية بجدية، حيث يتم تجنب الحديث عن الحيض بشكل صريح.
البرامج الحوارية والمنصات الإخبارية:
يندر وجود نقاشات حول الحيض في البرامج التلفزيونية أو التقارير الصحفية، رغم تأثيره الكبير على صحة ملايين النساء.
كيف يمكن كسر الصمت حول الدورة الشهرية؟
إدراج التوعية بالدورة الشهرية في المناهج الدراسية
يجب أن يتم تدريس الفتيات والفتيان على حد سواء عن الدورة الشهرية كجزء من مناهج الصحة العامة، لتقليل الوصمة الاجتماعية المحيطة بها.
زيادة التغطية الإعلامية والتثقيف الصحي
يجب على وسائل الإعلام التحدث بجرأة عن قضايا الصحة النسائية، وتقديم محتوى تعليمي واضح حول الدورة الشهرية.
تشجيع المشاهير والمؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث عن تجاربهن مع الحيض يمكن أن يساعد في تغيير النظرة المجتمعية.
إلغاء الضرائب على المنتجات الصحية النسائية
في بعض الدول، تُعتبر الفوط الصحية “سلعًا غير ضرورية”، مما يؤدي إلى فرض ضرائب عليها، بينما تُعفى منتجات أخرى مثل الأدوية أو حتى بعض المنتجات الترفيهية من الضرائب.
توفير المنتجات الصحية للفتيات في المدارس وأماكن العمل
يمكن للمدارس وأماكن العمل تقديم فوط صحية مجانية للنساء والفتيات لضمان عدم تأثر حياتهن المهنية والتعليمية بسبب الدورة الشهرية.
تشجيع الرجال على المشاركة في النقاش
من الضروري أن يكون الرجال جزءًا من هذا الحوار، بحيث يتم التعامل مع الدورة الشهرية كموضوع صحي طبيعي، وليس كأمر يخص النساء فقط.
رغم أن الحديث عن الحيض لا يزال يُنظر إليه كأمر محرج في العديد من المجتمعات، فإن هناك حراكًا متزايدًا لتغيير هذه النظرة، من خلال التوعية، والتعليم، والإعلام، والسياسات الصحية.
لكن السؤال هو: هل سيأتي يوم يصبح فيه الحديث عن الدورة الشهرية أمرًا طبيعيًا، أم أن المجتمعات ستظل تعاملها كواحدة من المحظورات التي يجب إخفاؤها؟