إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن زيادة عدد القوات العسكرية بنسبة 15% يأتي في سياق متوتر يسيطر عليه الصراع في أوكرانيا وتزايد التوترات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). هذه الخطوة، التي تعد تصعيداً في استراتيجيات روسيا العسكرية، تفتح الباب لتساؤلات عميقة حول أبعادها وأهدافها، وكذلك تداعياتها على الساحة الإقليمية والدولية.
الصراع المستمر في أوكرانيا يُشكل التحدي الأكبر لروسيا منذ بداية “العملية العسكرية الخاصة”. التصعيد الميداني، والدعم الغربي الواسع لكييف، يضغط على موسكو لمضاعفة استعداداتها العسكرية. قرار زيادة عدد القوات يبدو استجابة مباشرة للحاجة إلى تعزيز الجبهات المفتوحة في شرق وجنوب أوكرانيا، حيث تواجه روسيا مقاومة شرسة مدعومة بأسلحة حديثة قدمها الغرب.
توسّع الناتو في أوروبا الشرقية بانضمام فنلندا المتوقع وقرب انضمام السويد يضع روسيا في مواجهة تهديد أمني متزايد على حدودها الغربية. هذا التوسع يفاقم مخاوف موسكو من تطويقها عسكرياً، ما يدفعها لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية.
داخلياً، زيادة القوات تعكس رغبة بوتين في طمأنة الرأي العام الروسي بأن القيادة تتخذ خطوات لتعزيز الأمن الوطني. خارجياً، يُرسل القرار رسالة للقوى الغربية بأن موسكو مستعدة لتحمل تبعات طويلة الأمد للصراع في أوكرانيا، وأنها قادرة على مواجهة أي تصعيد محتمل.
زيادة عدد القوات توفر لموسكو مرونة أكبر في إدارة العمليات العسكرية في أوكرانيا. هذا القرار قد يُترجم إلى تصعيد ميداني، مثل فتح جبهات جديدة أو زيادة الضغط على خطوط الدفاع الأوكرانية.
بالتزامن مع تعزيز الناتو لوجوده العسكري في دول البلطيق وبولندا، تهدف روسيا إلى تحسين تموضعها العسكري لضمان قدرتها على الردع والدفاع عن مصالحها في المنطقة. زيادة القوات تمثل خطوة استباقية للحفاظ على التوازن العسكري.
على الرغم من أهميتها الاستراتيجية، فإن زيادة عدد القوات تأتي بتكلفة اقتصادية عالية. مع استمرار العقوبات الغربية التي تستهدف الاقتصاد الروسي، قد يثير هذا القرار تساؤلات حول مدى قدرة موسكو على تحمل الأعباء المالية لتوسيع جيشها.
القرار الروسي سيُقابل بتصعيد إضافي من قبل الناتو، سواء عبر تعزيز وجوده العسكري في أوروبا الشرقية أو تقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا. قد يؤدي ذلك إلى تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة ونشر أنظمة دفاعية متطورة.
الدول الأوروبية التي تخشى من التهديدات الروسية ستُسرّع من خططها لتعزيز ميزانيات الدفاع. ألمانيا، بولندا، ودول البلطيق قد تستغل هذا التصعيد لتبرير زيادة إنفاقها العسكري وتعزيز تعاونها مع الناتو.
بينما تنظر الصين بحذر إلى زيادة التصعيد الروسي الغربي، فإنها قد ترى في هذا القرار فرصة لتعزيز تعاونها مع موسكو في مواجهة النفوذ الأمريكي. على الجانب الآخر، دول آسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية قد تعتبر هذا التصعيد مبرراً لتوثيق شراكاتها الأمنية مع واشنطن.
التوسع العسكري يأتي في وقت يواجه فيه الاقتصاد الروسي تحديات كبيرة بسبب العقوبات الغربية وتكاليف الحرب في أوكرانيا. تمويل زيادة القوات قد يضع ضغوطاً إضافية على الميزانية الروسية ويؤثر على الخدمات الأساسية.
زيادة عدد القوات قد تتطلب تعبئة إضافية، سواء من خلال التجنيد الإجباري أو برامج التطوع. هذا قد يثير استياءً داخلياً، خاصة بين الفئات الشابة، ويؤدي إلى تصاعد التوترات الاجتماعية.
مع استمرار الصراع لفترة طويلة، تواجه روسيا تحديات في الحفاظ على معنويات قواتها وتجنب الإرهاق الميداني. زيادة عدد القوات قد تؤدي إلى تخفيف الضغط على الوحدات الحالية، لكنها أيضاً تُضاعف التحديات الإدارية واللوجستية.
إذا استمرت روسيا في تعزيز قدراتها العسكرية، فقد يشهد العالم صراعاً يمتد لسنوات، مع استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا وتزايد المواجهات غير المباشرة بين القوى الكبرى.
قد تحاول الدول الكبرى، مثل الصين والهند، الضغط على روسيا والغرب للعودة إلى طاولة المفاوضات بهدف وقف التصعيد وتجنب حرب أوسع نطاقاً.
على المدى الطويل، قد تبحث روسيا عن طرق أخرى لتعزيز أمنها، مثل تطوير تقنيات عسكرية متقدمة أو التركيز على التحالفات السياسية والدبلوماسية لتعزيز نفوذها العالمي.
قرار بوتين بزيادة عديد القوات العسكرية يعكس استعداداً روسيا لتحمل أعباء الصراع الطويل الأمد في أوكرانيا، ويُظهر إدراكاً متزايداً للتحديات الأمنية الناجمة عن توسع الناتو. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تضع موسكو أمام تحديات اقتصادية وعسكرية داخلية وخارجية. في عالم يشهد تصعيداً مستمراً، تبقى الأسئلة قائمة حول ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستقود إلى تحقيق أهداف روسيا الأمنية، أم أنها ستُفاقم من عزلة موسكو الدولية وتعقيد أزماتها.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ