Spread the love

زيارة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون إلى روسيا تُعدّ حدثاً استثنائياً في سياق التوترات الجيوسياسية العالمية. جاءت هذه الزيارة، وهي الأولى لكيم منذ جائحة كوفيد-19، لتعكس تحولاً مهماً في طبيعة العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ، خاصة في ظل التغيرات الاستراتيجية التي يشهدها النظام الدولي. استقباله من قبل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وزيارته لمصانع الطيران الروسية تشير إلى أن الزيارة لم تقتصر على طابعها الرمزي، بل حملت أبعاداً تقنية وعسكرية قد تؤثر على التوازنات الإقليمية والدولية.

اختيار كيم لزيارة فلاديفوستوك، المدينة الروسية القريبة جغرافياً من كوريا الشمالية والصين، يحمل رمزية عميقة. هذه المنطقة، التي تمثل مركزاً استراتيجياً لروسيا في المحيط الهادئ، تعكس سعي موسكو لتعزيز حضورها في آسيا وتعميق التعاون مع الدول المناهضة للنفوذ الغربي. إعلان بوتين عن حضور كيم عرضاً لأسطول المحيط الهادئ يسلط الضوء على أهمية تعزيز الروابط العسكرية بين البلدين في مواجهة الضغوط الغربية.

الزيارة شملت جولات في منشآت تقنية وعلمية روسية، مثل جامعة الشرق الأقصى ومختبرات الأحياء البحرية، مما يعكس اهتمام كوريا الشمالية بالحصول على المعرفة التقنية لدعم برامجها الوطنية. زيارة مصنع الطائرات المقاتلة الروسي كانت محطة لافتة، حيث أشاد كيم بالتقدم الروسي في تكنولوجيا الطيران، وهو ما يحمل رسائل سياسية واضحة تعزز من تحالف البلدين ضد التحديات الخارجية المشتركة.

تصريحات كيم وإعجابه بالطائرات المقاتلة الروسية، مثل طراز سو-57 وسو-35، تعكس رغبة بيونغ يانغ في تعزيز قدراتها الدفاعية من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الروسية. في المقابل، يثير هذا التعاون قلق الدول الغربية، التي تشتبه في أن موسكو تسعى للحصول على ذخائر أو أسلحة من كوريا الشمالية لتعزيز جهودها العسكرية في أوكرانيا، بينما تبحث بيونغ يانغ عن تقنيات متقدمة لدعم برامجها الصاروخية والنووية.

اللقاء بين بوتين وكيم حمل أبعاداً دبلوماسية وعسكرية متشابكة. توجيه كيم دعوة لبوتين لزيارة كوريا الشمالية، رغم عدم توقيع أي اتفاق رسمي، يعكس رغبة الجانبين في إظهار تقارب علني ضد الضغوط الغربية، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلدين. ومع ذلك، يبدو أن هذا التقارب ما زال في مراحله الأولى، حيث تسعى كل من موسكو وبيونغ يانغ لتحقيق مكاسب استراتيجية من خلال تعزيز التعاون الثنائي.

الدول الغربية، بقيادة واشنطن، تراقب هذا التحالف المتنامي بقلق، إذ تعتبره تهديداً مباشراً لمصالحها. تعزيز العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية قد يزيد من تعقيد النزاع في أوكرانيا ويمنح بيونغ يانغ دعماً تقنياً يهدد أمن المنطقة. التحدي يكمن في كيفية استجابة الغرب لهذا التحالف الجديد دون تصعيد الصراعات الجيوسياسية إلى مستويات أكثر خطورة.

في ظل هذا السياق، تمثل زيارة كيم إلى روسيا نقطة تحول في علاقات البلدين، حيث تعكس تحولاً استراتيجياً لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز النفوذ في الساحة الدولية. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً: هل يستطيع هذا التحالف الجديد الصمود في وجه الضغوط الغربية أم أنه مجرد تحالف تكتيكي مؤقت؟ الإجابة ستعتمد على التطورات القادمة في النزاعات الإقليمية والتوازنات الدولية.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!