يؤثر التغير المناخي على العالم أجمع وبشكل متسارع عاما بعد عام، والمنطقة العربية مهددة بتأثيراته الجسيمة بخاصة مع الصراعات التي تشهدها وحالة عدم الاستقرار. من أبرز آثاره شح المياه حيث تشير الإحصائيات أن حوالي 50 مليون شخصا في المنطقة العربية لا يحصلون على مياه الشرب، ويعيش ما نسبته 90% من السكان في دول تعاني من شح المياه.
تم إثارة هذه المشكلة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة في نيويورك الذي عقد مؤخرا في 22 – 24 آذار/ مارس من العام الجاري، خلال الندوة التي نظمتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) مع جامعة الدول العربية، حيث ذكرت الأمينة التنفيذية للجنة رولا عبد الله دشتي أن المنطقة العربية ليست على المسار الصحيح لتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة المعني بتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030.
شح المياه يهدد الأمن الغذائي والمائي، هذا ما أكدته دشتي خلال الندوة حيث “تعتبر المياه في المنطقة العربية مصدرا للازدهار، ولكنها أيضا سبب محتمل لعدم الاستقرار والصراع. ندرة المياه في المنطقة العربية هي مسألة تتعلق بالأمن المائي، والأمن الغذائي، وبالازدهار والحياة الكريمة … دبلوماسية المياه بين الدول تمثل أمرا محوريا”.
وهذا ما شجع لجنة الإسكوا على إطلاق مركز المعرفة الإقليمي المعروف اختصارا باسم “ريكار” وفق ما شاركت به دشتي الحاضرين خلال الندوة، و”ريكار” مبادرة إقليمية لتقييم أثر تغير المناخ على الموارد المائية وقابلية تأثر القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية. يتيح إمكانية الحصول على معلومات يمكن أن تسهل التعاون والتنسيق والحوار والتبادل فيما بين الدول العربية والمنظمات والجهات المعنية، وأن ترفع الوعي، وتعزز إمكانية التعاون على مستوى المنطقة لمعالجة قضايا تغير المناخ والموارد المائية فيها.
وركزت دشتي إلى أن دعم الإسكوا موجه لكل الدول العربية لتحسين الأمن المائي خلال هذا العقد الحساس وما بعده.
أسباب متعددة
شح المياه لا يعود فقط لأسباب طبيعية، فالسلوك البشري يؤثر بشكل كبير بدءا من الاستهلال المنزلي وأيضا الزراعة التي مازالت حتى اليوم في الكثير من مساحات المنطقة العربية تعتمد الطرائق التقليدية في الري وهذا الهدر يحتاج إلى التوعية وتطوير نظم الري بخاصة وأن 80 – 90 من مياه المنطقة العربية تستهلك في الزراعة.
وعلينا أن نعي أن تغير المناخ أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالتالي ازداد التبخر، بالتزامن مع زيادة استهلاك المياه على سبيل المثال وسائل التبريد التي تزيد بالأجواء الحارة وتحتاج للمياه.والحرارة المرتفعة تسبب ذوبان الأنهار الثلجية وزيادة مستوى سطح البحر وهذا يؤثر على الأراضي الزراعية المجاورة للبحار، مما يضاعف الحاجة لمياه عذبة لتخليصها من الأملاح. ومعالجة المياه أمر مكلف سواء مياه المخلفات الصناعية أو الزراعية والصرف الصحي.
فيما أشارت السفيرة شهيرة وهبي، رئيسة قسم استدامة الموارد الطبيعية والشراكات والحد من مخاطر الكوارث بجامعة الدول العربية، في حديثها لموقع أخبار الأمم المتحدة، إلى تقرير الهيئة الدولية لتغير المناخ الذي وصف المنطقة العربية بأنها الأكثر تأثرا في العالم بتغير المناخ وأن تغير المناخ في تسارع مستمر.
وذكرت أنه “لن تزداد المياه المتاحة في المنطقة العربية من المصادر التقليدية المعروفة لدينا جميعا. يكمن حل ومعالجة قضية الأمن المائي العربي وندرة المياه- كما أكد خبراء- عبر استخدام الموارد المائية غير التقليدية في المنطقة العربية من مياه محلاة واستخدام المياه العادمة ومياه الصرف الصحي والزراعي، والاستخدام الآمن للمياه الجوفية والمياه شبه المالحة وحصاد مياه الأمطار”. مشددة على “ضرورة وضع منظومة متكاملة لاستخدام المياه غير التقليدية والاستفادة من كل قطرة مياه متوفرة في العالم العربي”، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
يذكر أن المؤتمر هو الأول من نوعه منذ المؤتمر الذي عقد في الأرجنتين عام 1977.