Spread the love

عندما غزا الإسبان بقيادة هيرنان كورتيس إمبراطورية الأزتك عام 1519، روّجت الدعاية الأوروبية لصورة نمطية مفادها أن الإسبان كانوا “محررين” جاؤوا لإنقاذ شعوب المكسيك من طغيان الأزتك وطقوسهم الدموية. لكن مع تطور الدراسات التاريخية، بدأت هذه الرواية في التراجع، وظهر منظور جديد يرى أن الأزتك لم يكونوا مجرد برابرة متعطشين للدماء، بل حضارة متقدمة ذات بنية اجتماعية قوية، وعلوم متقدمة، واقتصاد معقد، وأن سقوطهم لم يكن فقط بسبب تفوق الإسبان، بل نتيجة لخيانة داخلية وأمراض مستوردة قضت على الملايين منهم.

كانت إمبراطورية الأزتك واحدة من أعظم الحضارات التي ازدهرت في الأميركيتين قبل وصول الأوروبيين. تأسست عاصمتهم تينوتشتيتلان (التي تقع في موقع مكسيكو سيتي الحالية) عام 1325، وسرعان ما أصبحت واحدة من أكبر المدن في العالم آنذاك، حيث وصل عدد سكانها إلى أكثر من 200 ألف نسمة، وهو رقم ضخم مقارنة بالمدن الأوروبية في ذلك الوقت.

كان نظام الحكم في الإمبراطورية هرمياً، حيث كانت السلطة تتركز في يد الإمبراطور، الذي كان يُنظر إليه على أنه ممثل للآلهة. كما كان المجتمع مقسماً إلى طبقات اجتماعية، من النبلاء والمحاربين إلى الفلاحين والعبيد. ورغم الصورة الشائعة عن الأزتك كغزاة دمويين، فإنهم كانوا أيضاً بناة عظماء، حيث طوروا نظام زراعة متقدماً في البحيرات، واستخدموا تقنيات ري متطورة، كما كانت لديهم أنظمة معمارية وهندسية مذهلة.

الاقتصاد والتجارة: كيف كانت الإمبراطورية تزدهر؟

كان اقتصاد الأزتك قائماً على الزراعة بشكل رئيسي، حيث زرعوا الذرة والفاصولياء والفلفل الحار والطماطم والكاكاو، الذي كان يستخدم كعملة في بعض الأحيان. كما كان لديهم نظام تجاري متقدم يربط مدن الإمبراطورية عبر شبكة واسعة من الأسواق، وكان التجار (المعروفون باسم “بوتشتيكا”) يلعبون دوراً مهماً في جلب البضائع النادرة من المناطق البعيدة، مثل الريش النادر والأحجار الكريمة.

لماذا ارتبط اسم الأزتك بالتضحية البشرية؟

إحدى أكثر القضايا المثيرة للجدل حول الأزتك كانت طقوس التضحية البشرية، التي كانت جزءاً رئيسياً من ديانتهم. كانوا يؤمنون بأن الآلهة تحتاج إلى قرابين بشرية لضمان استمرار العالم، وكان يُعتقد أن تقديم القلوب البشرية يساعد على بقاء الشمس مشرقة واستمرار الحياة. هذه الطقوس كانت تُجرى في معابد ضخمة، حيث كان الكهنة ينتزعون قلوب الضحايا ويقدمونها للآلهة.

لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن التضحية البشرية لم تكن ممارسة يومية، ولم تكن عشوائية، بل كانت مرتبطة بمناسبات دينية محددة. كما أن الإمبراطوريات الأوروبية نفسها كانت تمارس الإعدامات الوحشية وحرق السحرة وتعذيب المتمردين، مما يطرح تساؤلاً: لماذا يُدان الأزتك على هذه الممارسات بينما يتم تجاهل العنف الأوروبي في نفس الفترة؟

وصول الإسبان: كيف استغل كورتيس الانقسامات الداخلية؟

عندما وصل الإسبان بقيادة هيرنان كورتيس إلى سواحل المكسيك عام 1519، لم يكونوا سوى مجموعة صغيرة لا تتجاوز 500 جندي، لكنهم تمكنوا من إسقاط إمبراطورية كانت تضم ملايين السكان. كيف حدث ذلك؟

أحد أهم العوامل التي ساعدت كورتيس هو الانقسامات الداخلية بين الأزتك وباقي الشعوب المحلية. فقد كانت الأزتك يفرضون ضرائب ثقيلة على الشعوب الخاضعة لهم، مما خلق استياءً كبيراً. عندما وصل كورتيس، تحالف مع قبائل مثل “التلاكسكالان”، التي رأت في الإسبان فرصة للتخلص من حكم الأزتك.

في عام 1521، وبعد معارك دموية استمرت عامين، تمكن الإسبان وحلفاؤهم المحليون من الاستيلاء على تينوتشتيتلان، بعد حصار طويل أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من سكان المدينة.

الأمراض الأوروبية: العدو الذي لم يستطع الأزتك مقاومته

رغم التفوق العسكري الإسباني، فإن العامل الحاسم في سقوط الأزتك كان الأمراض التي جلبها الأوروبيون معهم، مثل الجدري والحصبة. لم يكن سكان الأميركيتين يمتلكون أي مناعة ضد هذه الأمراض، مما أدى إلى تفشي أوبئة مدمرة قتلت ما يصل إلى 90٪ من السكان خلال العقود التالية. في الواقع، مات من الأزتك بسبب الأمراض أكثر مما قُتلوا في المعارك.

بعد السقوط: كيف دُمِّرت حضارة الأزتك؟

بعد سقوط العاصمة، لم يكتف الإسبان بالاستيلاء على الحكم، بل قاموا بتدمير معالم الحضارة الأزتكية بالكامل، حيث هدموا معابدهم وبنوا فوقها الكنائس، وأجبروا السكان على اعتناق المسيحية، وفرضوا نظام العبودية على الناجين. كما استولوا على ثروات الإمبراطورية، خاصة الذهب والفضة، وأرسلوا كميات هائلة إلى إسبانيا، مما ساهم في إثراء أوروبا على حساب شعوب الأميركيتين.

هل كان سقوط الأزتك حتمياً؟

لا يزال المؤرخون يناقشون ما إذا كان سقوط الأزتك حتمياً، أم أن الإمبراطورية كان يمكن أن تصمد لو تعاملت مع الإسبان بشكل مختلف. هناك من يرى أن التحالفات الداخلية بين القبائل المحلية ضد الأزتك كانت عاملاً رئيسياً في سقوطهم، ولو كانوا أكثر مرونة في سياساتهم تجاه الشعوب الخاضعة لهم، ربما كانوا سيجدون دعماً بدلاً من الخيانة.

في المقابل، يرى البعض أن الأوبئة الأوروبية كانت ستؤدي إلى انهيار الإمبراطورية مهما حدث، لأن السكان لم يكن لديهم أي وسيلة لمقاومة الأمراض الجديدة.

كيف يُنظر إلى الأزتك اليوم؟

اليوم، يُعتبر الأزتك رمزاً للهوية المكسيكية، حيث تستخدم العديد من الرموز الأزتكية في العلم المكسيكي، مثل نسر كويتزالكواتل الذي يظهر في وسط العلم. كما أن هناك حركة متزايدة بين المؤرخين لإعادة تقييم تاريخ الأزتك بعيداً عن الروايات الاستعمارية التي صورتهم كهمج، والاعتراف بإنجازاتهم في مجالات الزراعة، والهندسة، والطب، والتقويم الفلكي.

في النهاية، يطرح سقوط الأزتك تساؤلاً مهماً حول الاستعمار: هل كان الإسبان حقاً محررين جاؤوا لإنقاذ شعوب المكسيك، أم أنهم مجرد قوة غازية استغلت الانقسامات الداخلية، ونهبت الثروات، وقضت على حضارة كاملة؟ السؤال الأكثر عمقاً هو: هل كان يمكن أن يختلف تاريخ الأميركيتين لو لم تصل السفن الإسبانية إلى سواحلها؟

error: Content is protected !!