مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتصاعد المخاوف من اندلاع حروب تجارية جديدة قد تؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي، حيث وعد ترامب خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية، إضافة إلى تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة من بقية دول العالم.
تشير التقديرات إلى أن مثل هذه الإجراءات قد تُكلف الاقتصاد العالمي خسائر هائلة. وفقاً لدراسة أعدتها شركة رولاند برغر الاستشارية، فإن التكلفة المتوقعة حتى عام 2029 ستكون على النحو التالي: 533 مليار دولار على اقتصاد الاتحاد الأوروبي. 749 مليار دولار على الاقتصاد الأمريكي. 827 مليار دولار على الاقتصاد الصيني.
وبحسب كلية لندن للاقتصاد، فإن تأثير هذه السياسات على الأسواق الناشئة مثل الهند، إندونيسيا، والبرازيل سيكون أقل حدة، لكنها ستظل تواجه تحديات بسبب تراجع الطلب العالمي وتباطؤ التجارة الدولية.
ويرى المحلل الاقتصادي خالد العتيبي أن “سياسات ترامب التجارية قد تؤدي إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، حيث ستسعى الدول الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي إلى تطوير سلاسل توريد بديلة وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية، مما قد يخلق نظاماً تجارياً جديداً أكثر انقساماً”.
تأثيرات الحمائية التجارية على التضخم والنمو
أحد أكبر المخاوف المرتبطة بسياسات ترامب التجارية هو عودة التضخم إلى الارتفاع بعد أن شهد تراجعاً نسبياً في الأشهر الماضية. وفقاً لدراسة صادرة عن معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية، فإن الرسوم الجمركية التي يخطط لها ترامب قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم في الصين بمقدار 2 إلى 4 نقاط مئوية، كما أنها قد تؤدي إلى زيادة الأسعار في الولايات المتحدة وأوروبا نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد.
ويشير فرانسوا فيليروي دي غالهو، محافظ البنك المركزي الفرنسي، إلى أن “عودة ترامب قد تزيد من المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي”، محذراً من أن ارتفاع الرسوم الجمركية يعني ارتفاع التضخم وانخفاض النمو في جميع أنحاء العالم.
ويضيف الخبير الاقتصادي نزار الخالدي: “الحرب التجارية الجديدة التي قد يشنها ترامب قد تؤدي إلى تباطؤ التجارة العالمية بنسبة 3% بحلول نهاية العقد، كما أنها قد تخفض معدل النمو العالمي بنحو 0.75%”.
كيف تؤثر سياسات الهجرة على سوق العمل والتضخم؟
إضافة إلى الحرب التجارية، تثير تعهدات ترامب بشأن ترحيل المهاجرين غير النظاميين قلقاً واسعاً، حيث وعد بتنفيذ عمليات ترحيل واسعة النطاق قد تؤدي إلى فقدان 8.3 مليون عامل في سوق العمل الأمريكي، وفقاً لتقديرات مركز بيو للأبحاث.
ويؤكد الخبير الاقتصادي جمال المصري أن “فقدان هذا العدد الضخم من العمالة قد يؤدي إلى نقص كبير في اليد العاملة في قطاعات مثل الزراعة والبناء والخدمات، مما سيرفع الأجور ويؤدي إلى موجة جديدة من التضخم”.
وبحسب دراسة معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية، فإن سياسات الهجرة التي يقترحها ترامب قد تؤدي إلى: ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة بأكثر من نقطتين مئويتين في عام 2025، أو زيادة التضخم في أوروبا بنسبة 0.2 نقطة مئوية، أو ارتفاع التضخم في الصين بنسبة 0.6 نقطة مئوية.
ويرى المحلل المالي إبراهيم الشامي أن “هذه التغييرات ستدفع البنوك المركزية إلى وقف دورة خفض أسعار الفائدة التي بدأتها في 2024، مما قد يؤدي إلى تباطؤ الاستثمار والنمو الاقتصادي”.
آسيا الأكثر تضرراً من حرب تجارية بين أمريكا والصين
تعد آسيا المحرك الأساسي للنمو العالمي، حيث تمثل 60% من إجمالي نمو الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فإن أي تصعيد تجاري بين واشنطن وبكين قد يكون له تداعيات خطيرة على المنطقة.
يشير تقرير حديث لـصندوق النقد الدولي إلى أن أي حرب تجارية جديدة قد تؤدي إلى تراجع معدل النمو في الاقتصادات الآسيوية الناشئة، مما قد يؤدي إلى تراجع الطلب على السلع والخدمات، وزيادة الضغوط على الأسواق المالية في المنطقة.
وتشير التوقعات إلى أن الولايات المتحدة قد تواجه انخفاضاً في نمو ناتجها المحلي الإجمالي بنقطتين مئويتين سنوياً بين عامي 2027 و2031، وفقاً لمعهد بيترسون.
ويحذر الخبير الاقتصادي مروان الأسعد من أن “التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تدفع الشركات العالمية إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها الاستثمارية، مما قد يعرقل سلاسل التوريد العالمية ويدفع الشركات إلى البحث عن أسواق بديلة مثل الهند وجنوب شرق آسيا”.
في ظل هذه التحديات، يتجه المستثمرون والأسواق المالية إلى حالة من الحذر الشديد، حيث يترقبون مدى سرعة تنفيذ سياسات ترامب، وما إذا كانت ستؤدي إلى صدام تجاري كبير بين الولايات المتحدة وبقية العالم.
إن أبرز التداعيات المحتملة تتمثل في؛ تراجع قيمة الأسهم الأوروبية والآسيوية نتيجة المخاوف من الرسوم الجمركية. ارتفاع التضخم العالمي نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد ونقص العمالة في الولايات المتحدة. زيادة الضغوط على البنوك المركزية لإعادة تقييم سياساتها النقدية. تراجع معدلات النمو في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، والاتحاد الأوروبي.
ويختم المحلل الاقتصادي فارس الدوسري قائلاً: “العالم يواجه اليوم سيناريو مشابهاً لما حدث خلال ولاية ترامب الأولى، ولكن مع تعقيدات أكبر بسبب حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي. السؤال الكبير هو: هل ستتمكن الأسواق العالمية من التأقلم بسرعة مع هذه التغيرات، أم أننا مقبلون على مرحلة من الركود والاضطرابات الاقتصادية؟”