Spread the love

في خطوة تحمل تداعيات سياسية واقتصادية بعيدة المدى، أقرّ مجلس النواب العراقي مساء الأحد تعديلات على قانون الموازنة المالية الاتحادية، تتيح لإقليم كردستان تصدير النفط عبر الشركة الوطنية العراقية “سومو”، مقابل حصوله على 16 دولاراً لكل برميل منتج كتكاليف استخراج ونقل. ورغم الاحتفاء بهذه الخطوة من قبل حكومة الإقليم، إلا أن الاعتراضات القادمة من نواب محافظات الوسط والجنوب تنذر بفتح فصل جديد من الخلافات الداخلية، ما يثير التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل، ومدى تأثير هذه التعديلات على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

تحقيق الاستقرار أم خلق أزمة جديدة؟

جاء التصويت بعد مفاوضات ماراثونية بين الأطراف السياسية، وسط معارضة شديدة من نواب يمثلون محافظات الجنوب، الذين يرون أن هذه التعديلات تمنح الإقليم امتيازات غير عادلة على حساب باقي المحافظات المنتجة للنفط. واعتبر هؤلاء النواب أن القرار يسهم في استمرار عدم التوازن في توزيع الموارد، خاصة مع تخصيص الحكومة الاتحادية مبالغ لتعويض كلفة الإنتاج والنقل في الإقليم دون معايير مماثلة لباقي المناطق النفطية في البلاد.

النائب رائد المالكي، أحد أبرز المعترضين، أكد في مؤتمر صحفي عقب انسحابه من الجلسة أن “التعديل يكرّس نهج المحاباة على حساب حقوق باقي المحافظات المنتجة للنفط”، مشيراً إلى أن المحافظات النفطية الأخرى تتحمل أعباء الإنتاج دون الحصول على امتيازات مماثلة. وأضاف: “المطالبة بتطبيق حقوق محافظات الوسط والجنوب أمر مشروع، ولن نقبل أن يتم تجاوزها لصالح طرف دون آخر”.

في المقابل، رحب رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، بتمرير التعديلات، واصفاً إياها بأنها “تمثل بداية لحل نهائي ومستدام لمشكلة رواتب موظفي الإقليم والتزاماته المالية”. وأكد بارزاني في بيان رسمي أن “التصويت على الموازنة يعزز الثقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، ويمثل تطوراً إيجابياً يعكس رغبة الأطراف كافة في إيجاد حلول دائمة للمشاكل العالقة”.

وأشار إلى أن الاتفاق مع بغداد على تصدير النفط عبر “سومو” جاء بعد مفاوضات شاقة، لكنه يشكل خطوة أساسية نحو الاستقرار المالي في الإقليم. كما أشاد بالدور الذي لعبه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في إنجاز هذا الاتفاق، مؤكداً أن “الحوار والتفاهم يظلان الخيار الوحيد لحل جميع القضايا العالقة بين الطرفين”.

بدوره، اعتبر رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن تمرير التعديلات “يعكس حالة من التفاهم بين الحكومة والبرلمان، ويدل على وجود استقرار سياسي يسمح بتنفيذ خطط التنمية والإصلاح”. وأشار الناطق باسم الحكومة باسم العوادي إلى أن السوداني “يثمن موقف مجلس النواب في دعم رؤية الحكومة التي تهدف إلى تحقيق العدالة في توزيع الثروات واستثمارها بشكل أمثل”.

وأكد أن الحكومة ملتزمة ببدء تنفيذ التعديلات فوراً، داعياً إقليم كردستان ووزارة النفط الاتحادية إلى العمل المشترك لضمان استئناف التصدير، وتحقيق الاستفادة القصوى من الثروة النفطية، بما يخدم مصلحة جميع العراقيين.

رغم الترحيب الرسمي، يرى بعض الخبراء أن التعديلات على الموازنة ليست سوى “حلاً مؤقتاً” قد لا يصمد طويلاً أمام الضغوط السياسية والاقتصادية.

الباحث الاقتصادي، أحمد عبد الكريم، يرى أن “الاتفاق يخدم مصالح الإقليم لكنه لا يقدم حلولاً جذرية لمشاكل توزيع الموارد في العراق”، مشيراً إلى أن “المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، حيث لا تزال هناك ملفات عالقة تتعلق بحصة الإقليم من الموازنة العامة ومدى التزامه بتسليم الإيرادات النفطية بالكامل”.

من جهته، يرى المحلل السياسي علي العلاق أن “تمرير التعديلات جاء في سياق صفقة سياسية أوسع، تهدف إلى تهدئة الأوضاع بين بغداد وأربيل، لكن معارضة نواب الوسط والجنوب تعني أن الصراع حول الموارد لن ينتهي بهذه البساطة”.

الخلافات بين بغداد وأربيل: إلى أين؟

يمثل ملف تصدير النفط واحداً من أكثر القضايا تعقيداً في العلاقة بين بغداد وأربيل، حيث يعود النزاع إلى سنوات طويلة شهدت محاولات الإقليم تصدير النفط بشكل مستقل، قبل أن تقضي محكمة التحكيم الدولية في باريس في عام 2024 بعدم قانونية ذلك، وتلزم كردستان بتصدير النفط حصراً عبر “سومو”.

لكن حتى مع هذا القرار، لا تزال هناك مخاوف من أن الاتفاق الحالي قد لا يكون كافياً لإنهاء التوترات. الخبير القانوني، حسن المعموري، أشار إلى أن “هناك حاجة إلى إطار قانوني أكثر وضوحاً ينظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، بعيداً عن الحلول المؤقتة التي غالباً ما تؤدي إلى عودة النزاع”.

هل ينجح الاتفاق في إنهاء الأزمة؟

في ظل التطورات المتسارعة، يبقى السؤال الأساسي، هل ستتمكن بغداد وأربيل من الالتزام بتنفيذ الاتفاق أم أن الخلافات ستعود إلى الواجهة؟

المحلل الاقتصادي، قيس الهاشمي، يرى أن “نجاح الاتفاق يعتمد على مدى التزام الطرفين ببنوده، وكذلك على قدرة الحكومة الاتحادية على مواجهة الاعتراضات الداخلية التي تهدد استمراره”. ويضيف أن “أي محاولة من أحد الطرفين للتراجع عن الاتفاق قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق”.

في ظل استمرار التحديات، يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً أمام تحقيق حل دائم للخلافات النفطية بين بغداد وأربيل. وبينما يؤكد المسؤولون في كلا الجانبين التزامهم بالحوار والتفاهم، فإن المعطيات السياسية والاقتصادية تشير إلى أن الاتفاق الأخير قد يكون مجرد محطة في طريق طويل من المفاوضات والتجاذبات.

يبقى السؤال: هل ستتمكن بغداد وأربيل من تجاوز العقبات وتنفيذ الاتفاق بشكل ناجح، أم أن العراق سيشهد فصولاً جديدة من النزاع النفطي والسياسي بين الطرفين؟

error: Content is protected !!