FILE PHOTO: Taliban delegates speak during talks between the Afghan government and Taliban insurgents in Doha, Qatar September 12, 2020. REUTERS/Ibraheem al Omari/File Photo
Spread the love

مع استمرار الأزمة الأفغانية في ظل حكم طالبان، تتبنى الدوحة نهجاً دبلوماسياً متوازناً يهدف إلى دمج حكومة تصريف الأعمال في النظام الدولي، مع الحفاظ على الحد الأدنى من المعايير الحقوقية التي يطالب بها المجتمع الدولي، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق المرأة والتعليم. إعلان قطر دعمها لتشكيل “فريق اتصال دولي مصغر” للتعامل مع طالبان يعكس استراتيجيتها في الحفاظ على نفوذها كلاعب رئيسي في الملف الأفغاني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن تؤدي هذه الجهود إلى اختراق حقيقي في الأزمة الأفغانية أم أن طالبان ستبقى محصورة في عزلتها الدولية؟

لعبت قطر دوراً محورياً في الملف الأفغاني منذ استضافتها لمفاوضات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، والتي انتهت بانسحاب القوات الأمريكية في أغسطس 2021. هذا الدور جعلها وسيطاً أساسياً في أي تطور سياسي يتعلق بأفغانستان. لكن مع تصاعد الضغوط الدولية على طالبان، وجدت الدوحة نفسها أمام معضلة دبلوماسية:

ترى قطر أن العزلة الدولية لطالبان قد تدفعها نحو مزيد من التشدد، بينما يمكن للحوار المستمر أن يساهم في دفعها نحو اعتدال نسبي.

بعد نجاحها في التوسط في قضايا إقليمية، مثل الاتفاقات بين الغرب وإيران أو استضافة المفاوضات الفلسطينية، تسعى الدوحة إلى لعب دور مماثل في الملف الأفغاني.

تبقى أفغانستان نقطة توتر جيوسياسية، ووجود قطر في صلب المعادلة يمنحها نفوذاً أكبر لدى اللاعبين الدوليين مثل الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

دعم قطر لإنشاء فريق اتصال دولي مصغر يأتي في سياق الجهود الرامية إلى إيجاد “خارطة طريق موحدة” لأفغانستان، لكن هذا الطرح يثير تساؤلات عدة:

هل هو مقدمة لاعتراف دولي بطالبان؟ إذا تمكن الفريق من بناء قنوات تواصل دائمة بين طالبان والمجتمع الدولي، فقد يكون خطوة أولى نحو الاعتراف الرسمي بالحكومة الأفغانية.

هل سيضغط الفريق على طالبان بشأن حقوق الإنسان؟ رغم أن الدوحة تحاول تسويق فكرة الحوار البناء، إلا أن المعضلة الحقيقية تكمن في التناقض بين متطلبات المجتمع الدولي وسلوك طالبان تجاه الحريات الأساسية.

كيف ستتعامل طالبان مع هذا الطرح؟ من اللافت أن طالبان لم تحضر الاجتماع الأممي الأخير في الدوحة، وهو مؤشر على ترددها تجاه الانخراط في هذه الجهود.

لا تزال طالبان تواجه رفضاً واسعاً من المجتمع الدولي بسبب سياساتها القمعية تجاه المرأة وقمع الحريات. ورغم وجود دول مثل الصين وروسيا وباكستان التي تبدي استعداداً أكبر للتعامل مع الحركة، إلا أن الغرب لا يزال متردداً في الاعتراف بحكمها.

رفض طالبان المشاركة في اجتماعات الدوحة يعكس عدم رغبة الحركة في الخضوع لضغوط المجتمع الدولي، مما يضعف فرص نجاح أي مبادرة سياسية تتطلب تنازلات منها.

على المقلب الآخر؛ رغم أن واشنطن لا تزال تنسق مع طالبان بشأن بعض الملفات الأمنية، إلا أنها لم تُظهر حتى الآن أي استعداد للاعتراف بالحكومة الأفغانية، مما يقلل من فرص تحقيق اختراق دبلوماسي في المستقبل القريب.

إحدى أكبر العقبات أمام نجاح أي مسار دبلوماسي هو غياب التوافق الداخلي في أفغانستان. هناك عدة أطراف في البلاد، مثل الجماعات العرقية والسياسية المعارضة لطالبان، لا تزال ترفض الاعتراف بحكمها.

يطالب الناشطون والمنظمات المدنية الأفغانية بدور أكبر في أي عملية سياسية مستقبلية، وهو ما قد يتعارض مع رؤية طالبان القائمة على الحكم المطلق. ورغم أن الحركة تسيطر على معظم البلاد، إلا أن هناك مناطق مثل وادي بنجشير لا تزال خارج قبضتها تماماً.

مع استمرار الفقر المدقع ونقص الموارد الأساسية، أصبح الوضع الإنساني في أفغانستان مصدر قلق عالمي. ورغم تعهدات طالبان بتحسين الظروف، إلا أن سياساتها الاقتصادية لم تفلح في تحقيق الاستقرار.

حظر التعليم والعمل على النساء تسبب في تعطيل جزء كبير من القوة العاملة في البلاد، مما زاد من أزمة الفقر والبطالة. في حين ترفض المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التعامل مع طالبان، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية.

إذا تمكنت قطر من إقناع طالبان بالمشاركة في الحوار الدولي والالتزام ببعض الإصلاحات، فقد يتمهد الطريق نحو الاعتراف التدريجي بحكمها. لكن هذا السيناريو يعتمد على استعداد طالبان لتقديم تنازلات، وهو أمر غير مضمون.

إذا استمرت طالبان في رفض التعاون مع المجتمع الدولي، فقد تتجه بعض الدول نحو فرض مزيد من العقوبات، مما سيزيد من عزلة الحكومة الأفغانية. هذا قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، لكنه لن يجبر طالبان بالضرورة على تغيير نهجها.

في حال لم تنجح قطر في دفع طالبان نحو نهج أكثر اعتدالاً، فقد تتصاعد المعارضة الداخلية ضد الحركة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات جديدة داخل أفغانستان، وربما تجد طالبان نفسها أمام تمرد جديد يهدد استقرارها.

يبقى الدور القطري في الملف الأفغاني محورياً، لكن نجاحه يعتمد على قدرة الدوحة على تحقيق توازن بين مطالب المجتمع الدولي ورغبة طالبان في الحفاظ على سيطرتها المطلقة. فهل ستنجح قطر في تحقيق اختراق دبلوماسي يمنح طالبان شرعية دولية، أم أن الحركة ستظل متمسكة بعزلتها، مما يجعل أي محاولات للحوار مجرد سراب سياسي؟

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!