في ليلة 20 يونيو 1756، وقع حادث أثار ضجة كبيرة في التاريخ الاستعماري البريطاني، عُرف باسم كارثة بلاك هول في كلكتا. وفقاً للرواية البريطانية، احتجز نواب البنغال، سراج الدولة، أكثر من 140 سجيناً بريطانياً في زنزانة صغيرة خانقة في حصن ويليام، مما أدى إلى وفاة معظمهم بسبب الاختناق والحرارة الشديدة.
لكن هذه القصة، التي استخدمتها بريطانيا لاحقاً لتبرير توسعها الاستعماري في الهند، تحيط بها الكثير من الشكوك والمبالغات، حيث لم يتم توثيق الحادثة بشكل دقيق من الجانب الهندي. فهل كانت هذه المأساة جريمة متعمدة، أم أنها مجرد دعاية بريطانية لتبرير الغزو؟
الخلفية: لماذا تصاعد التوتر بين نواب البنغال والبريطانيين؟
بحلول منتصف القرن الثامن عشر، كانت شركة الهند الشرقية البريطانية قد رسخت وجودها في البنغال، المنطقة الأكثر ازدهاراً في الهند، عبر شبكة من المراكز التجارية المدعومة بالقوات العسكرية. لكن هذا التوسع لم يكن محل ترحيب من قبل نواب البنغال، سراج الدولة، الذي اعتبر البريطانيين قوة تهدد سيادته، خاصة بعد أن بدأوا في تحصين حصن ويليام في كلكتا دون إذنه.
في عام 1756، قرر سراج الدولة التحرك ضد البريطانيين، فقام بمهاجمة كلكتا والاستيلاء على حصن ويليام بعد معركة سريعة، مما أجبر الحامية البريطانية على الاستسلام.
بعد سقوط الحصن، تم احتجاز الجنود والمسؤولين البريطانيين الأسرى داخل زنزانة صغيرة لا تتجاوز أبعادها 4.3 × 5.5 متر، في ظروف خانقة ولا تصلح للبشر. بحسب الرواية البريطانية، كان عدد المحتجزين 146 شخصاً، لكن بحلول الصباح، لم يبقَ على قيد الحياة سوى 23 شخصاً، حيث يُقال إن البقية ماتوا بسبب الاختناق والجفاف والحرارة الشديدة.
لكن المشكلة الرئيسية في هذه الرواية هي عدم وجود توثيق هندي دقيق للحادثة، مما أثار شكوكاً كبيرة حول مدى صحتها. كما أن عدد القتلى المزعوم 146 شخصاً يبدو مبالغاً فيه، نظراً لحجم الزنزانة.
كيف استخدمت بريطانيا الحادثة لتبرير استعمار الهند؟
أثارت كارثة بلاك هول غضباً واسعاً في بريطانيا، حيث تم تصوير الحادث على أنه إبادة متعمدة للبريطانيين على يد الهندوس والمسلمين في البنغال. استغلت شركة الهند الشرقية هذه الرواية كذريعة لتبرير غزو البنغال، حيث تم إرسال حملة عسكرية بقيادة روبرت كلايف، الذي قاد القوات البريطانية لتحقيق انتصار ساحق في معركة بلاسي عام 1757، مما أدى إلى السيطرة الكاملة على البنغال وبدء الحكم البريطاني في الهند.
على مدار العقود، بدأ المؤرخون يشككون في صحة الرواية البريطانية، حيث:
لم يكن هناك أي توثيق مستقل للحادث من الجانب الهندي.
بعض التقارير تشير إلى أن العدد الفعلي للضحايا كان أقل بكثير من 146 شخصاً.
هناك احتمال بأن الحادث كان نتيجة سوء إدارة من قبل الجنود الهنود، وليس مؤامرة متعمدة من سراج الدولة.
سواء كانت القصة حقيقية أم مبالغاً فيها، فقد لعبت كارثة بلاك هول دوراً محورياً في إعطاء بريطانيا الذريعة لبدء احتلال الهند. خلال عقود قليلة، تحولت شركة الهند الشرقية البريطانية من قوة تجارية إلى قوة استعمارية مطلقة، مما أدى إلى 200 عام من الحكم البريطاني للهند.
لكن يبقى السؤال: هل كانت هذه الحادثة سبباً فعلياً لاحتلال الهند، أم أنها مجرد واحدة من عدة ذرائع استعمارية استخدمتها بريطانيا لتحقيق أهدافها التوسعية؟