لقد أصبحت قضية تمكين النساء اقتصاديًا من أبرز القضايا التي يتم النقاش حولها في العالم اليوم. حيث تُظهر الأبحاث أن التنوع الجندري، وخاصة في سوق العمل، يمكن أن يكون له تأثير مباشر على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. وبينما يستمر النقاش حول مدى تأثير النساء على الاقتصاد الكلي، فإن هناك العديد من الأدلة التي تؤكد أن تمكين المرأة يساهم بشكل فعّال في النمو الاقتصادي، والحد من الفقر، وتعزيز التنمية الاجتماعية.
النساء كقوة اقتصادية
عندما تكون المرأة جزءًا نشطًا من الاقتصاد، فإنها تصبح قوة دافعة للاقتصاد المحلي والعالمي. النساء يمثلن نصف السكان في أي مجتمع، وبالتالي فإن تجاهلهن في سوق العمل هو إهدار لقدرات وإمكانات اقتصادية هائلة. تمكين المرأة اقتصاديًا لا يعزز فقط رفاهية النساء أنفسهن، ولكنه يعزز أيضًا التنمية الاقتصادية الشاملة. فدخول المزيد من النساء إلى سوق العمل يُنتج زيادة في القوة الشرائية، ويُساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
أثبتت دراسة أجرتها منظمة ماكينزي الدولية أن سد الفجوة الجندرية في سوق العمل يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 12 تريليون دولار بحلول عام 2025. وهذا يظهر مدى أهمية دور المرأة في الاقتصاد، وأن تمكين النساء اقتصاديًا ليس فقط قضية حقوق إنسانية، بل هو ضرورة اقتصادية.
التنوع الجندري في سوق العمل يؤدي إلى تحسين الأداء الاقتصادي للشركات والمجتمعات. فالمؤسسات التي تعتمد على التنوع الجندري تُظهر مستويات أعلى من الابتكار والإنتاجية، مقارنةً بتلك التي تفتقر إلى هذا التنوع. مشاركة النساء في مراكز صنع القرار أو في المناصب القيادية يمكن أن يُحسّن من استراتيجيات العمل ويُساهم في خلق بيئات عمل أكثر شمولية وإبداعًا.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث إلى أن تحقيق المساواة في الأجور بين الرجال والنساء يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة. حيث أن النساء غالبًا ما يكسبن أقل من الرجال في نفس الأدوار الوظيفية، وهو ما يؤدي إلى فجوة كبيرة في المداخيل. تقليص هذه الفجوة يمكن أن يزيد من القوة الشرائية للنساء، ويساهم في تعزيز الطلب المحلي والنمو الاقتصادي.
لتعزيز الدور الاقتصادي للنساء، يجب أن تكون هناك سياسات داعمة على المستوى الوطني والدولي. بعض الدول تبنت سياسات لدعم المرأة مثل المساواة في الأجور، وإجازة الأمومة المدفوعة، وتشجيع المرأة على الدخول في الأعمال الريادية.
على سبيل المثال، تُعد برامج القروض الصغيرة للنساء الرياديات في البلدان النامية واحدة من أكثر السياسات تأثيرًا في تمكين النساء اقتصاديًا. هذه البرامج تقدم دعمًا ماليًا للنساء اللواتي يرغبن في بدء أعمالهن التجارية الخاصة، ما يساعدهن على بناء استقلالية مالية، ويساهم في تحسين جودة الحياة لأسرهن. وفي بعض الدول، أصبحت النساء الرياديات جزءًا أساسيًا من النمو الاقتصادي من خلال تحفيز الابتكار وخلق وظائف جديدة.
في دول مثل السويد والنرويج، تم اعتماد سياسات تقدمية تضمن مشاركة أكبر للنساء في سوق العمل، وتوفير بيئات عمل متوازنة جندريًا. هذه السياسات تشمل تقديم إجازات مدفوعة للأبوين، وفرض حصة للنساء في مجالس إدارة الشركات الكبرى، ما يعزز من تمكين المرأة اقتصاديًا ويزيد من التنمية الاقتصادية الشاملة.
تحديات أمام التمكين الاقتصادي للنساء
على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه، لا تزال هناك تحديات كبيرة تحول دون تحقيق التمكين الاقتصادي الكامل للنساء. من بين هذه التحديات التمييز الجندري في سوق العمل، والذي قد يظهر في أشكال متعددة مثل عدم تكافؤ الفرص في الترقية أو التوظيف، إلى جانب عدم وجود سياسات حكومية داعمة بشكل كافٍ في بعض الدول.
بالإضافة إلى ذلك، ما زالت العادات والتقاليد في بعض المجتمعات تحول دون حصول النساء على حقوقهن الاقتصادية الكاملة. في هذه المجتمعات، يُنظر إلى النساء على أنهن مسؤولات فقط عن الأعمال المنزلية وتربية الأطفال، وهذا يحد من مشاركتهن الاقتصادية ويُقلل من دورهن الفعال في الاقتصاد الوطني.
إن تمكين النساء اقتصاديًا ليس مجرد حق، بل هو ضرورة لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون هناك سياسات شاملة تضمن للنساء فرصًا متساوية في العمل، ودعمًا ماليًا يمكنهن من بناء أعمالهن الخاصة.
يعتبر تمكين النساء جزءًا لا يتجزأ من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك القضاء على الفقر وتعزيز العدالة والمساواة. بدون النساء، لن تستطيع أي دولة تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، ولهذا يجب أن تُعزز الجهود العالمية والمحلية لتمكين النساء اقتصاديًا من خلال سياسات وقوانين تدعمهن وتفتح أمامهن آفاق النمو والتقدم.