في موقف يعكس تمايزًا عن الحلفاء الغربيين، أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الأربعاء رفض بلاده انضمام مهمة “أتالانت” الأوروبية لمكافحة القرصنة إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر في مواجهة هجمات الحوثيين اليمنيين. هذا القرار يأتي رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة، حيث أجرى الرئيس جو بايدن اتصالًا هاتفيًا مع سانشيز، في محاولة لإقناع مدريد بالمشاركة في الجهود الدولية ضد الحوثيين.
أوضح سانشيز خلال مؤتمر صحافي أن إسبانيا “مستعدة ومنفتحة” لدعم جهود الاتحاد الأوروبي في إنشاء قوة مستقلة تتعامل مع التهديدات في البحر الأحمر، لكنها ترفض أن تكون مهمة “أتالانت” جزءًا من هذه الجهود، مشيرًا إلى أن البعثة الأوروبية التي تعمل منذ عام 2008 في المحيط الهندي لمكافحة القرصنة لا تمتلك المواصفات العسكرية اللازمة للتعامل مع التهديدات الحوثية.
قرار مدريد كان حاسمًا وواضحًا، إذ أكدت وزارة الداخلية الإسبانية لوكالة فرانس برس أن البلاد “لن تشارك” في أي مهمة عسكرية تهدف إلى التصدي لهجمات الحوثيين، دون تقديم تفاصيل إضافية حول الأسباب وراء هذا الرفض.
رفض إسبانيا المشاركة في التحالف لم يمر دون ردود فعل متباينة. البيت الأبيض أكد في بيان رسمي أن المحادثات بين بايدن وسانشيز ركزت بشكل أساسي على “إدانة الهجمات الحوثية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر”، مما يشير إلى أن واشنطن كانت تتوقع دعمًا إسبانيًا أقوى في هذا الملف.
على الجانب الآخر، قوبل الموقف الإسباني بترحيب من قبل الحوثيين. نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين حسين العزي، أشاد بقرار مدريد، معتبرًا عبر منصة “إكس” أن إسبانيا “امتنعت عن الانجرار خلف الأكاذيب الأمريكية والبريطانية”، في إشارة إلى الرواية الغربية حول التهديدات الحوثية للملاحة البحرية.
مخاوف إسبانية من التصعيد العسكري في البحر الأحمر
رفض الحكومة الإسبانية المشاركة في التحالف لا يرتبط فقط بقدرات مهمة “أتالانت”، بل يعكس حذرًا دبلوماسيًا وعسكريًا تجاه التصعيد في البحر الأحمر. يرى مراقبون أن مدريد لا تريد الانخراط في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، خاصة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وإمكانية تحول النزاع إلى حرب بحرية واسعة النطاق.
الخبير في الشؤون الأوروبية، كريم رياض، يعتبر أن موقف مدريد يعكس إدراكها لخطورة الانجرار إلى صراع جديد غير محسوب العواقب، حيث أن “إسبانيا ليست قوة بحرية كبرى في الشرق الأوسط، ومشاركتها في تحالف عسكري أمريكي ضد الحوثيين قد يعرض سفنها ومصالحها للخطر دون تحقيق مكاسب استراتيجية واضحة”.
من جهته، أكد رئيس الوزراء الإسباني أن الفرقاطة الإسبانية التابعة لمهمة “أتالانت” ليست مصممة لمواجهة هجمات صاروخية أو طائرات مسيرة كتلك التي يستخدمها الحوثيون، مما يجعل مشاركتها في التحالف الأمريكي غير منطقية من الناحية العسكرية.
وفي خطوة تعزز من استقلالية القرار العسكري الإسباني، أعلن سانشيز أنه سيغادر إلى العراق لتفقد القوات الإسبانية المنتشرة هناك في إطار مهمة تدريبية لحلف شمال الأطلسي (الناتو). هذه الزيارة تأتي في توقيت حساس، حيث تسعى مدريد إلى التأكيد على أنها شريك أمني موثوق، لكنها في الوقت ذاته تحدد بنفسها طبيعة وأماكن تدخلها العسكري دون الانسياق خلف التحركات الأمريكية بشكل كامل.
الخبير في الشؤون الأوروبية، كريم رياض، يرى أن مدريد تحاول التوفيق بين التزاماتها تجاه حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وبين تجنب الانخراط في مغامرات عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، مضيفًا أن “إسبانيا تتبع نهجًا أكثر براغماتية في سياستها الخارجية، حيث تختار معاركها بعناية لتجنب العواقب غير المتوقعة”.
رغم إعلان مدريد رفضها المشاركة في التحالف البحري الأمريكي، إلا أن الضغوط لم تنته بعد. يتوقع أن تستمر واشنطن وشركاؤها الأوروبيون في محاولة إقناع إسبانيا بلعب دور أكبر في تأمين الملاحة في البحر الأحمر، خاصة مع تزايد التهديدات الحوثية للسفن التجارية.
لكن من غير المرجح أن تغير مدريد موقفها في الوقت الحالي، خاصة في ظل التركيز على أولوياتها الدفاعية في أوروبا وإفريقيا، ورغبتها في تفادي صراعات جديدة غير محسوبة قد تؤثر على استقرارها السياسي الداخلي.
يظل السؤال الأهم: هل ستتمكن إسبانيا من الحفاظ على موقفها المستقل وسط الضغوط المتزايدة، أم أن التحالفات الدولية ستجبرها في النهاية على تعديل سياستها الدفاعية؟.