This handout photograph taken and released by the Ukrainian Presidential Press Service on December 2, 2024, shows Ukrainian President Volodymyr Zelensky (R) and German Chancellor Olaf Scholz (L) visit the makeshift memorial paying tribute to Ukrainian and foreign fighters at the Independence Square in Kyiv, amid the Russian invasion of Ukraine.. Scholz made a surprise visit to war-torn Ukraine on Monday to reaffirm Berlin's support for Kyiv in its fight against Russia. (Photo by Handout / UKRAINIAN PRESIDENTIAL PRESS SERVICE / AFP) / RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / UKRAINIAN PRESIDENTIAL PRESS SERVICE" - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS
Spread the love

في خضم الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، يجد المستشار الألماني أولاف شولتس نفسه في موقف دقيق يختبر توازن ألمانيا الاستراتيجي في المشهد الدولي. وبينما تتزايد ضغوط كييف للحصول على دعم عسكري أكثر تطورًا، لا سيما صواريخ بعيدة المدى مثل “تاوروس”، يبقى شولتس متمسكًا بموقفه الحذر، محاولًا منع التصعيد الذي قد يحول المواجهة إلى صراع مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.

الموقف الألماني ليس مفاجئًا، إذ يعكس نهجًا تاريخيًا مترددًا في التدخلات العسكرية المباشرة، ويستند إلى مخاوف من أن التصعيد غير المحسوب قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن احتواؤها. غير أن هذا الحذر يضع برلين في موقف حساس أمام حلفائها، وخاصة أوكرانيا التي تعتبر أن الأسلحة بعيدة المدى مثل صواريخ “تاوروس” قد تغير ميزان القوى على الأرض وتجبر موسكو على الدخول في مفاوضات سلام.

رفض شولتس لمطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يتعلق فقط بالخوف من التصعيد، بل يرتبط أيضًا بحسابات سياسية داخلية وأوروبية. فمن ناحية، يتعرض المستشار الألماني لضغوط من المعارضة اليمينية واليسارية على حد سواء، حيث ترى بعض الأطراف أن المزيد من الدعم العسكري قد يورط ألمانيا في حرب لا ترغب بها، بينما تتهمه أطراف أخرى بالضعف في مواجهة التهديد الروسي. ومن ناحية أخرى، لا تريد ألمانيا تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها الولايات المتحدة، والتي تفضل إدارة الدعم العسكري بشكل محسوب لتجنب إثارة رد فعل روسي غير متوقع.

موقف شولتس الرافض أيضًا لانضمام أوكرانيا السريع إلى الناتو يأتي في سياق استراتيجية أوروبية أكثر براغماتية. فبينما تعترف برلين وواشنطن بأهمية دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا، إلا أن دعوة سريعة لانضمامها إلى الحلف قد تخلق التزامًا مباشراً بتدخل عسكري في حال تعرضها لهجوم، وهو ما قد يقود إلى مواجهة مباشرة مع روسيا. وهنا، تبرز معضلة الناتو، التي تتجلى في دعم أوكرانيا دون الوصول إلى مرحلة يتحتم فيها خوض حرب دفاعية واسعة وفقًا للمادة الخامسة من ميثاق الحلف.

ألمانيا تدرك جيدًا أن أي خطوة متسرعة في تسليح أوكرانيا بأسلحة متطورة أو دعم انضمامها الفوري إلى الناتو قد تسرّع من رد الفعل الروسي، وربما تدفع موسكو إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية أو استخدام وسائل ردع أكثر تطرفًا. كما أن برلين تعلم أن الدول الأوروبية ليست في وضع يسمح لها بمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، خاصة في ظل تزايد التحديات الاقتصادية وأزمة الطاقة التي لا تزال تلقي بظلالها على القارة.

على الجانب الآخر، تصر كييف على أن المزيد من الدعم العسكري والضغط السياسي هو السبيل الوحيد لإجبار موسكو على التراجع، وترى أن ألمانيا، كأكبر اقتصاد في أوروبا، يجب أن تلعب دورًا أكثر جرأة في مواجهة التوسع الروسي. لكن برلين توازن بين التزامها بدعم أوكرانيا وبين الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي لأوروبا، وهو ما يجعل قراراتها أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح.

ومع استمرار المعركة الدبلوماسية بين أوكرانيا والدول الغربية، يبقى التساؤل قائمًا: هل ستستطيع برلين الاستمرار في هذا التوازن الحذر بين الدعم وعدم التصعيد، أم أن الضغوط المتزايدة ستدفعها إلى تغيير استراتيجيتها في مرحلة ما؟ في ظل المتغيرات المستمرة على الأرض، فإن أي تحرك خاطئ قد يؤدي إلى تحولات جذرية في المشهد الأوروبي، وهو ما يجعل موقف شولتس، رغم انتقاداته، أحد أكثر المواقف التي تعكس الواقعية السياسية في هذه الأزمة المعقدة.

علاوة على ذلك، فإن موقف ألمانيا لا يمكن فهمه بمعزل عن الديناميات الأوروبية الأوسع. فالاتحاد الأوروبي يواجه انقسامات واضحة بشأن طبيعة ومدى الدعم المقدم لأوكرانيا، حيث تقود دول أوروبا الشرقية، مثل بولندا ودول البلطيق، دعوات لزيادة الضغط العسكري على روسيا، في حين أن دولًا مثل فرنسا وألمانيا تتبنى نهجًا أكثر حذرًا. هذا التباين يضع برلين في موقف محوري، حيث تحاول الحفاظ على تماسك الموقف الأوروبي دون أن تنجرف إلى خطوات قد تضر بالمصالح الاستراتيجية طويلة الأمد للقارة.

إضافة إلى ذلك، هناك بعد اقتصادي واضح في حسابات شولتس. فألمانيا، التي تعتمد على قطاعها الصناعي بشكل كبير، لا تزال تواجه تداعيات أزمة الطاقة التي تفاقمت بفعل الحرب في أوكرانيا. العقوبات المفروضة على روسيا والبحث عن بدائل للطاقة الروسية ألقى بظلاله على الاقتصاد الألماني، مما يجعل صناع القرار في برلين أكثر ترددًا في اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة قد تضر بالاقتصاد الوطني أكثر مما تفيد في مواجهة روسيا. وفي هذا السياق، يبرز التساؤل حول مدى استعداد ألمانيا للتضحية بمصالحها الاقتصادية مقابل دعم غير مشروط لأوكرانيا.

كما أن ألمانيا تجد نفسها أمام معضلة أخرى تتعلق بعلاقاتها مع الدول غير الغربية، مثل الصين والهند، اللتين تراقبان كيفية إدارة برلين لهذه الأزمة. فبينما تريد ألمانيا الحفاظ على تحالفها القوي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنها تدرك أن التصعيد المستمر قد يدفع العديد من الدول خارج المنظومة الغربية إلى تعزيز تعاونها مع روسيا، مما قد يغير موازين القوى العالمية بطريقة قد لا تكون في مصلحة أوروبا.

في هذا السياق، تبرز أيضًا مسألة الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، وهي قضية أثارها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرارًا. فبينما تعتمد أوروبا حاليًا على المظلة الأمنية الأمريكية، فإن تسليم أسلحة بعيدة المدى إلى أوكرانيا قد يدفع روسيا إلى اختبار مدى استقلالية أوروبا في اتخاذ قراراتها الدفاعية. وفي ظل عدم وجود سياسة دفاعية أوروبية موحدة، فإن ألمانيا تدرك أن أي تصعيد عسكري غير محسوب قد يزيد من هشاشة الوضع الأمني في القارة.

من جهة أخرى، فإن موقف شولتس يعكس أيضًا رؤية أوسع حول مستقبل الصراع الروسي-الأوكراني. فبينما تؤمن بعض الدول الغربية بأن الحل العسكري هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، فإن ألمانيا ترى أن أي حل دائم يجب أن يكون سياسيًا ودبلوماسيًا في نهاية المطاف. هذا لا يعني أن برلين تتخلى عن دعم أوكرانيا، لكنها تسعى لتجنب الوصول إلى نقطة اللاعودة التي قد تجعل من التفاوض أمرًا مستحيلًا.

الجدير بالذكر أن سياسة شولتس ليست مجرد موقف شخصي، بل تعكس أيضًا مخاوف أوسع لدى النخبة السياسية والعسكرية في ألمانيا. فالكثير من المسؤولين في برلين يدركون أن تقديم صواريخ بعيدة المدى إلى كييف قد يفتح الباب أمام تطورات غير متوقعة، بما في ذلك احتمال توسيع نطاق الحرب ليشمل دولًا أخرى في المنطقة. وهذا السيناريو قد يؤدي إلى عواقب كارثية على أوروبا بأسرها، وهو ما تسعى ألمانيا إلى تجنبه بأي ثمن.

في النهاية، يبقى السؤال الأساسي حول مدى قدرة ألمانيا على الحفاظ على هذا التوازن في ظل ضغوط متزايدة من الداخل والخارج. فبينما تستمر كييف في مطالبتها بمزيد من الدعم العسكري، وتزداد الضغوط الأمريكية لتصعيد المواجهة مع روسيا، تجد برلين نفسها في موقف دقيق يتطلب حنكة سياسية كبيرة للحفاظ على استقرارها الداخلي مع الالتزام بمسؤولياتها الدولية.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!