عاد الحديث عن تقسيم الصحراء الغربية إلى الواجهة من جديد، بعد تسريبات تفيد بأن المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، طرحه خلال مشاوراته مع مجلس الأمن. هذا الطرح، رغم أنه ليس بجديد، فإنه يأتي في سياق دولي وإقليمي مختلف، حيث تتزايد الضغوط لإيجاد حل نهائي للنزاع الممتد منذ عقود.
تستند فكرة التقسيم إلى اتفاق مدريد لعام 1975، والذي قسّم الإقليم بين المغرب وموريتانيا عقب انسحاب إسبانيا، قبل أن تتراجع نواكشوط عن مطالبها في الصحراء الغربية عام 1979، ما أدى إلى استمرار النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو. ومع أن المقترح أعيد طرحه في 2002 من قبل المبعوث الأممي الأسبق جيمس بيكر، إلا أنه لم يحظَ بقبول أي من الطرفين في ذلك الوقت، وهو الموقف ذاته الذي أعيد تأكيده في الاجتماع المغلق لمجلس الأمن الأخير.
الرفض المتبادل: لماذا يرفض المغرب والبوليساريو خيار التقسيم؟
رغم محاولة دي ميستورا إعادة إحياء الفكرة، فإن كلا الطرفين أبديا رفضاً واضحاً لها. المغرب يرى أن الحل الوحيد المقبول هو مبادرته بالحكم الذاتي، التي قدمها عام 2007، والتي تحظى بدعم متزايد من عدة دول، في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا. وفي هذا السياق، تعتبر الرباط أن أي حديث عن تقسيم الإقليم يمس بوحدة أراضيها، وهو ما يضعف موقفها الذي يقوم على فكرة السيادة على كامل الصحراء.
أما جبهة البوليساريو، فترى أن أي حل يجب أن يمر عبر استفتاء تقرير المصير الذي أقرته الأمم المتحدة، وترفض التقسيم لأنه لا يحقق تطلعاتها لإقامة دولة مستقلة على كامل الإقليم. كما أن الجبهة تنظر إلى التقسيم كحل قد يُضعف موقفها السياسي ويؤدي إلى ضغوط داخلية على القيادة، خاصة في ظل انقسامات بدأت تظهر بين بعض تياراتها حول استراتيجية التعاطي مع الأمم المتحدة.
دي ميستورا في مواجهة التعقيد السياسي والدبلوماسي
من الواضح أن إعادة طرح خيار التقسيم لم يكن إلا مناورة دبلوماسية تهدف إلى اختبار ردود الفعل، وربما الضغط على الطرفين للقبول بحلول وسط. لكن هذا الطرح قد ينعكس سلباً على مسار التسوية، حيث إن إعادة إحياء فكرة قديمة سبق رفضها قد يؤدي إلى تشدد في المواقف بدلاً من التقارب.
مارك كيتسون، الباحث في مركز الدراسات الدولية بجامعة لندن، يرى أن دي ميستورا “يحاول خلق دينامية جديدة بعد الجمود الذي أصاب المفاوضات”، لكنه يحذر من أن “إحياء خيار التقسيم قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث إنه لن يجد دعماً سياسياً لا من الأطراف المعنية ولا من القوى الكبرى المؤثرة في الملف”.
إذا كان التقسيم مرفوضاً من الطرفين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الخيارات المتاحة أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
الدكتور إدريس بن سعيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، يرى أن “الحل الواقعي الوحيد المطروح حالياً هو مبادرة الحكم الذاتي، خاصة في ظل الاعترافات المتزايدة بالسيادة المغربية على الصحراء”. لكنه يشير إلى أن “الأمم المتحدة تسعى إلى إبقاء الخيارات مفتوحة، وهو ما يفسر استمرارها في التلميح إلى حلول أخرى حتى لو لم تحظَ بتأييد واسع”.
أما أحمد ولد محمود، الباحث الموريتاني في الشؤون المغاربية، فيرى أن “الحل يكمن في مفاوضات مباشرة بين المغرب والبوليساريو برعاية دولية، لكن المشكلة أن غياب الثقة بين الطرفين يجعل هذا الخيار معقداً”. ويضيف أن “موريتانيا والجزائر يمكن أن تلعبا دوراً محورياً، لكن شريطة أن يكون هناك استعداد سياسي من الطرفين لتقديم تنازلات”.
من المقرر أن يستمر مجلس الأمن في مناقشة الملف خلال الأسابيع القادمة، حيث يتعين عليه أن يحدد ما إذا كان سيدفع باتجاه حلول أكثر وضوحاً، أم سيترك الملف في حالة المراوحة الدبلوماسية التي ميزته طوال العقود الماضية. لكن المؤكد أن إعادة الحديث عن التقسيم لن يكون سوى نقطة خلاف إضافية في نزاع معقد، يبدو أن حله لا يزال بعيد المنال.
وفي ظل هذه المعادلة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تستطيع الأمم المتحدة تحقيق اختراق حقيقي في ملف الصحراء الغربية، أم أن النزاع سيظل رهينة الحسابات السياسية الإقليمية والدولية؟