في خطوة تهدف إلى تنظيم سوق الهواتف المحمولة في مصر، أعلنت وزارتا المالية والاتصالات عن إطلاق منظومة إلكترونية جديدة لتسجيل الهواتف المستوردة، عبر تطبيق “تليفوني”، في محاولة لفرض حوكمة أكثر صرامة، وتشجيع التصنيع المحلي، والحد من عمليات التهريب التي تضر بالسوق الرسمية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه الحكومة المصرية إلى تقليل الواردات العشوائية، وتحفيز الاستثمار في التصنيع المحلي، خاصة بعد إعلان خمس شركات دولية عن إنشاء مصانع لإنتاج الهواتف المحمولة داخل مصر.
يقول مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في المؤتمر الصحافي الأسبوعي للحكومة: “حجم الأجهزة المهربة التي تدخل السوق المصرية كبير جدًا، وقد تضررت الشركات المستثمرة في السوق من هذه الظاهرة، مما جعل الحاجة ضرورية إلى هذه المنظومة الجديدة لضبط السوق، وهو إجراء اتبعته العديد من الدول لحماية صناعاتها المحلية.”
كيف تعمل المنظومة الجديدة؟
وفقًا لما ورد في البيان المشترك لوزارتي المالية والاتصالات، فإن المنظومة تعتمد على التسجيل الإلكتروني للهواتف المستوردة، حيث سيتمكن المواطنون من تسجيل هواتفهم عبر تطبيق “تليفوني” دون الحاجة إلى الرجوع إلى موظفي الجمارك، إضافةً إلى إمكانية الاستعلام عن قيمة الرسوم المستحقة وسدادها عبر الإنترنت.
وتهدف هذه الخطوة إلى، ضمان المنافسة العادلة بين الشركات المنتجة والمستوردة، دعم توطين صناعة الهواتف المحمولة في مصر، حماية المستهلكين من الهواتف المهربة والمقلدة التي قد تكون غير مطابقة للمواصفات.
أثارت المنظومة الجديدة ردود فعل متباينة بين مختلف الأطراف، حيث يرى البعض أنها خطوة ضرورية لتنظيم السوق وتعزيز التصنيع المحلي، بينما يخشى آخرون أن تؤدي إلى زيادة أسعار الهواتف بسبب فرض إجراءات جديدة على الاستيراد.
يقول محمد عادل، خبير في قطاع الاتصالات: “هناك إيجابيات كبيرة لهذه المنظومة، خاصة فيما يتعلق بالحد من تهريب الأجهزة وضمان دخول المنتجات الرسمية فقط، لكن السؤال الأهم هو: هل ستؤدي هذه الخطوة إلى ارتفاع الأسعار بسبب نقص العرض وزيادة الإجراءات البيروقراطية؟”
أكد البيان الرسمي أن المصريين المقيمين في الخارج لن يكونوا ملزمين بدفع أي رسوم عند دخولهم البلاد لفترات مؤقتة، كما أن أي هاتف تم شراؤه قبل الأول من يناير 2025 لن يخضع للمنظومة الجديدة.
وأوضح مصطفى مدبولي في المؤتمر الصحافي أن الحكومة لن تفرض أي رسوم جديدة على الأجهزة المحمولة المستوردة، وأنه لا يوجد تغيير في الرسوم الجمركية المفروضة على الهواتف، مما يعني أن التكلفة الإجمالية للاستيراد لن تتغير، بل سيتم فقط تنظيم عملية تسجيل الهواتف عبر الإنترنت.
تشجيع التصنيع المحلي: خطوة أم مجرد وعود؟
وفقًا لبيان الحكومة، فإن الخمس شركات العالمية التي بدأت التصنيع في مصر تواجه صعوبات بسبب انتشار الهواتف المهربة، وهو ما جعل من الضروري وضع إجراءات تنظيمية لحماية هذه الاستثمارات وضمان توفير بيئة عادلة للتنافس.
يقول خالد حنفي، المحلل الاقتصادي في قطاع التصنيع الرقمي: “هناك إمكانيات كبيرة لمصر في قطاع تصنيع الهواتف، خاصة مع وجود مصانع بالفعل تعمل على تجميع وإنتاج أجهزة ذكية محليًا، لكن السؤال هنا هو: هل تستطيع الحكومة توفير البيئة الاستثمارية المناسبة لجذب المزيد من المصنعين؟ أم ستظل هذه الوعود مجرد شعارات؟”
وأضاف أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على توفير حوافز حقيقية للمستثمرين، مثل تخفيض الضرائب على المكونات المستوردة المستخدمة في التصنيع المحلي، وضمان استقرار القوانين التنظيمية.
تشير التقديرات إلى أن الهواتف المهربة تمثل نسبة كبيرة من الأجهزة المباعة في مصر، حيث يعتمد بعض التجار على الاستيراد غير الرسمي لتجنب دفع الجمارك والرسوم.
لكن مع فرض منظومة التسجيل الجديدة، قد يصبح بيع هذه الهواتف في السوق السوداء أكثر صعوبة، حيث لن يتمكن المستخدمون من تفعيل الأجهزة غير المسجلة عبر الشبكات المحلية، مما قد يؤدي إلى تراجع تجارة الهواتف المهربة تدريجيًا.
يقول أحمد سمير، تاجر أجهزة محمولة في القاهرة لـ”شُبّاك”: “العديد من المستهلكين يفضلون شراء هواتف أرخص من السوق غير الرسمي، لكن إذا لم تتمكن هذه الأجهزة من العمل على الشبكات المحلية، فسوف تضطر السوق إلى التكيف مع القوانين الجديدة.”
هل ستؤدي المنظومة إلى ارتفاع أسعار الهواتف المحمولة؟
رغم أن الحكومة أكدت أن الرسوم الجمركية لم تتغير، إلا أن بعض المحللين يرون أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الهواتف الذكية، خاصة إذا لم تكن هناك بدائل محلية كافية تغطي احتياجات السوق.
يقول ياسر عبد الله، خبير التسويق الرقمي: “الطلب على الهواتف الذكية في مصر مرتفع، وإذا لم يكن هناك إنتاج محلي قادر على تلبية هذا الطلب، فقد نشهد ارتفاعًا في الأسعار بسبب تراجع عدد الأجهزة المهربة التي عادةً ما تباع بأسعار أقل من السوق الرسمي.”
بينما تبدو إجراءات تسجيل الهواتف المستوردة خطوة في الاتجاه الصحيح لتنظيم السوق وحماية الصناعة المحلية، يبقى التحدي الحقيقي في قدرة الحكومة على ضمان عدم تأثر المستهلكين سلبًا من هذه السياسات.
ويبقى السؤال الأهم، هل تستطيع الحكومة المصرية توفير بدائل محلية بأسعار تنافسية، وهل ستتمكن المنظومة من الحد من تهريب الهواتف، أم ستجد السوق السوداء طرقًا جديدة للتحايل على القوانين؟
مع دخول هذه المنظومة حيز التنفيذ، ستظل الأسابيع القادمة اختبارًا حقيقيًا لنجاح الحكومة في تحقيق التوازن بين ضبط السوق ودعم التصنيع المحلي، دون الإضرار بمصلحة المستهلك المصري.