Spread the love

أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو لا ترى جدوى من أي وقف هش لإطلاق النار في أوكرانيا، مشددًا على أن بلاده لن توافق على أي هدنة مؤقتة يمكن استخدامها من قبل الغرب لإعادة تسليح كييف. وبدلًا من ذلك، تطالب روسيا باتفاق قانوني ملزم يضمن أمنها وأمن جيرانها، في إشارة إلى رغبة موسكو في إعادة صياغة المعادلة الأمنية في أوروبا وفقًا لمصالحها الاستراتيجية.

تصريحات لافروف تعكس رفضًا قاطعًا لأي اتفاق قد يوقف القتال دون تقديم ضمانات دائمة، إذ ترى موسكو أن أي هدنة قد تكون مجرد استراحة مؤقتة للقوات الأوكرانية لإعادة تنظيم صفوفها بمساعدة غربية. وقال الوزير الروسي بوضوح إن الكرملين يشك في نوايا الغرب، معتبرًا أن الهدف الحقيقي لأي هدنة مقترحة ليس السلام، بل إعادة تسليح أوكرانيا واستئناف القتال ضد روسيا في المستقبل القريب.

بحسب لافروف، فإن روسيا لن تقبل بحل دبلوماسي غير مضمون، بل تسعى إلى اتفاقات نهائية تحدد جميع الشروط الأمنية بشكل واضح، بحيث لا يمكن انتهاكها مستقبلًا. لم يوضح الوزير الروسي ما إذا كانت بلاده مستعدة للتفاوض حول تسوية سلمية شاملة، لكنه أشار إلى أن أي اتفاق يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمنية المشروعة لروسيا وجيرانها، وهي عبارة غالبًا ما تستخدمها موسكو للإشارة إلى ضرورة فرض قيود على التعاون العسكري بين أوكرانيا والغرب.

المحلل السياسي الروسي ألكسندر زوبوف يرى أن تصريحات لافروف تعكس توجهًا روسيًا لعدم تكرار سيناريو اتفاقيات مينسك التي تم توقيعها في 2014 و2015 ولم تؤدِّ إلى حل دائم، إذ تعتبر موسكو أن هذه الاتفاقيات تم استغلالها من قبل أوكرانيا والغرب لمواصلة التسلح، مما أدى إلى التصعيد الحالي. ويضيف زوبوف أن موسكو تريد اتفاقًا نهائيًا لا يتيح أي مجال للمناورة الغربية، ويشمل ضمانات واضحة تمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، بالإضافة إلى قيود صارمة على وجود القوات الغربية في شرق أوروبا.

حرب الاستنزاف والضغوط المتزايدة: لماذا ترفض روسيا تجميد الصراع؟

بعد مرور أكثر من عامين على اندلاع الحرب في أوكرانيا، يبدو أن الصراع دخل مرحلة استنزاف طويلة الأمد، حيث تتراجع قدرة الطرفين على تحقيق اختراقات ميدانية كبيرة. ورغم ذلك، تصر روسيا على استمرار العمليات العسكرية وعدم قبول وقف لإطلاق النار، وهو ما يثير التساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية طويلة الأمد للكرملين.

الباحث السياسي إبراهيم عياط، يعتقد أن روسيا لا تريد تكرار تجربة الحرب في دونباس، حيث استمرت التوترات المسلحة رغم وجود اتفاقيات دولية للسلام، مما دفع موسكو إلى شن عملياتها العسكرية عام 2022. ويضيف أن رفض موسكو للهدنة يعود إلى عدم ثقتها في الغرب، حيث تعتقد أن أي وقف مؤقت لإطلاق النار سيتم استغلاله لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة المتطورة، مما يعيد الوضع إلى نقطة الصفر.

على الجانب الآخر، يرى محللون غربيون أن موقف موسكو يعكس رغبتها في الاستمرار في الضغط العسكري من أجل تحقيق مكاسب استراتيجية قبل الدخول في أي مفاوضات مستقبلية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية التي قد تؤثر على سياسات واشنطن تجاه أوكرانيا.

ردود فعل كييف والغرب: قلق من نوايا روسيا

في المقابل، اعتبر مسؤولون أوكرانيون أن تصريحات لافروف دليل على نية موسكو إطالة أمد الصراع، ورفضها لأي حلول سياسية لا تتماشى مع مصالحها التوسعية. وأكد مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك أن كييف لن تقبل بأي تسوية لا تتضمن انسحاب القوات الروسية بالكامل، محذرًا من أن أي اتفاق يثبت الوضع الحالي سيعني انتصارًا غير مباشر لموسكو.

من جهتها، حذرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من أن أي اتفاق يفرض شروطًا روسية على أوكرانيا سيكون بمثابة إقرار دولي بانتصار الكرملين، وهو ما يرفضه الغرب بشدة. الجنرال الأمريكي المتقاعد بن هودجز يرى أن تصريحات لافروف تهدف إلى إرسال رسالة للغرب مفادها أن روسيا لن تقبل بأي حلول وسط، وهو ما يضع تحديات أمام الدبلوماسية الغربية، التي تحاول إيجاد مخرج تفاوضي للصراع دون تقديم تنازلات استراتيجية لموسكو.

في ظل تمسك روسيا برفض أي هدنة مؤقتة، يبدو أن الحرب ستستمر لفترة أطول، خاصة مع استمرار الإمدادات العسكرية الغربية لكييف، وتصعيد موسكو لضغوطها العسكرية والدبلوماسية. يظل التساؤل المطروح: هل تستطيع موسكو فرض رؤيتها للسلام بالقوة، أم أن الضغوط الغربية ستجبرها في النهاية على تقديم تنازلات؟

المرحلة المقبلة ستحدد ما إذا كان الصراع سيبقى حرب استنزاف طويلة أم أن هناك مجالًا لتسوية تفاوضية حقيقية، لكن الواضح أن موسكو لن تقبل بأي حل وسط لا يحقق أهدافها الأمنية على المدى البعيد.

error: Content is protected !!