يثير إعلان الاتحاد الأوروبي عن نقل صواريخ باليستية إيرانية إلى روسيا مخاوف واسعة من تصعيد جديد في الحرب الأوكرانية، في وقت تتجه فيه المواجهة إلى مستويات أكثر تعقيدًا. هذه الخطوة التي وصفتها بروكسل بأنها انتهاك للقانون الدولي تفتح الباب أمام جولة جديدة من العقوبات والضغوط على إيران، بينما تعزز في الوقت ذاته قدرة موسكو على مواصلة حربها في أوكرانيا بأسلحة أكثر فتكًا، مما يجعل الصراع أكثر دموية وأبعد عن أي حل سياسي في المستقبل القريب.
لا يأتي هذا التطور بمعزل عن سياق أوسع من العلاقات المتوترة بين طهران والغرب، فقد بات واضحًا أن إيران ليست مجرد داعم خفي لروسيا، بل إنها تتجه بشكل متزايد إلى شراكة عسكرية علنية، مستغلة الفراغ الذي تركته العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، لتقديم نفسها كحليف استراتيجي لا غنى عنه للكرملين. ومن المعروف أن التعاون العسكري بين البلدين لم يبدأ اليوم، حيث سبق أن زودت طهران موسكو بطائرات مسيرة هجومية استخدمتها القوات الروسية بكثافة لضرب البنية التحتية الأوكرانية، مما دفع الغرب إلى فرض عقوبات إضافية على إيران. لكن انتقال الدعم الإيراني إلى مستوى الصواريخ الباليستية، وهي أسلحة قادرة على تغيير ميزان القوى في الحرب، يشكل قفزة نوعية في هذا التحالف العسكري، ويهدد بتوسيع نطاق المواجهة إلى أبعاد غير مسبوقة.
رد الاتحاد الأوروبي، كما أعلن المتحدث باسم سياسته الخارجية، سيكون “قويًا”، لكنه يبقى مرهونًا بعامل أساسي وهو إجماع دول التكتل على أي إجراءات عقابية ضد إيران. ورغم أن بروكسل هددت سابقًا بفرض عقوبات على إيران بسبب تزويدها روسيا بالطائرات المسيرة، فإن الموقف الأوروبي لم يكن دائمًا موحدًا، لا سيما مع وجود دول تحاول الحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة مع طهران. ومع ذلك، فإن دخول الصواريخ الباليستية على خط المعركة قد يجعل هذا الإجماع أكثر سهولة، خصوصًا أن التصعيد الأخير يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي، مع تنامي المخاوف من امتداد تداعيات الصراع الأوكراني إلى مناطق أخرى من أوروبا الشرقية.
على الجانب الروسي، فإن حصول موسكو على صواريخ باليستية إيرانية يأتي في لحظة حرجة بالنسبة للجيش الروسي، الذي يسعى لتعويض الخسائر وتعزيز قدراته الهجومية بعد أكثر من عامين من القتال المستنزف في أوكرانيا. ومع استمرار العقوبات الغربية في خنق قطاع التصنيع العسكري الروسي، فإن الدعم الإيراني قد يشكل رافعة حيوية لروسيا، ليس فقط في تعزيز قوتها العسكرية، ولكن أيضًا في توجيه رسالة للغرب بأن موسكو لا تزال تمتلك مصادر بديلة للتسليح. وبالنظر إلى التصعيد المستمر بين روسيا والغرب، فإن هذه الخطوة قد تدفع الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين إلى توسيع نطاق الدعم العسكري لكييف، عبر تقديم مزيد من الأسلحة المتطورة، وربما التفكير في رفع القيود عن استخدام بعض الأنظمة الهجومية داخل الأراضي الروسية.
لكن السؤال الأكبر يظل حول مدى تأثير هذا التصعيد على مستقبل العلاقات بين إيران والغرب. فمن الواضح أن طهران باتت مستعدة لتحمل تداعيات تحالفها العسكري مع موسكو، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من العزلة الدولية. لكن في المقابل، فإن التصعيد ضد إيران قد لا يقتصر على العقوبات الاقتصادية، بل ربما يتطور إلى ضغوط دبلوماسية أوسع، وربما حتى إجراءات أمنية وعسكرية، خاصة من قبل إسرائيل التي قد تجد في هذا التعاون العسكري ذريعة لمزيد من الضربات ضد أهداف إيرانية في سوريا والعراق.
يبدو أن نقل الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى روسيا هو تطور يعكس تحولًا جديدًا في الصراع الأوكراني، ويؤشر إلى أن الحرب باتت أكثر تعقيدًا وتشابكًا بين قوى إقليمية ودولية. وبينما يستعد الاتحاد الأوروبي للرد، تظل التساؤلات قائمة حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤدي إلى ردع طهران، أم أنها ستدفعها لمزيد من التحدي، مما يعمّق أزمة دولية لم يعد طرف واحد قادرًا على احتوائها.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ