Spread the love

يبدو أن المشهد السياسي الدولي مقبل على مرحلة جديدة في ظل استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتحاور مع دونالد ترامب، الذي يستعد لتولي منصبه في البيت الأبيض قريباً. هذا الإعلان يعكس بوضوح أن موسكو تراهن على أن يكون ترامب وسيطاً فعّالاً لإنهاء الحرب في أوكرانيا وفق شروط جديدة، تتماشى مع التغيرات التي فرضتها المعارك على الأرض منذ 2022. وفي المقابل، فإن ترامب، الذي وعد بإنهاء النزاع خلال 24 ساعة من وصوله إلى السلطة، يسعى إلى إعادة تشكيل الموقف الأمريكي تجاه الحرب الأوكرانية، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل هذه الأزمة الدولية التي أرّقت أوروبا والغرب لسنوات.

اللافت أن الكرملين لم يضع شروطاً مسبقة للحوار، لكنه أكد أن أي تفاوض يجب أن يأخذ “الوقائع على الأرض” بعين الاعتبار، في إشارة واضحة إلى أن موسكو تعتبر المكاسب العسكرية التي حققتها في شرق أوكرانيا ورقة ضغط رئيسية في أي تسوية مستقبلية. هذا الموقف يضع تحديات كبيرة أمام أوكرانيا، التي تعوّل بشكل أساسي على استمرار الدعم الغربي لمواجهة الهجمات الروسية واستعادة أراضيها، وهو الدعم الذي قد يتأثر بشكل كبير في حال قرر ترامب إعادة تقييم الانخراط الأمريكي في الحرب.

الرئيس الأمريكي الجديد، المعروف بمواقفه غير التقليدية، سبق أن عبّر عن شكوكه في جدوى استمرار التمويل العسكري لكييف، ملمحاً إلى أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتحمل وحدها عبء مواجهة روسيا. وهذا يثير مخاوف لدى القادة الأوروبيين، الذين قد يجدون أنفسهم في موقف حرج إذا ما قررت واشنطن تقليص دعمها لأوكرانيا أو الضغط على كييف للقبول بتسوية سلمية لا تتوافق مع تطلعاتها.

لكن السؤال الأهم هو: هل تمتلك أوكرانيا خياراً حقيقياً لمقاومة هذا التوجه؟ في ظل الإنهاك العسكري والاقتصادي الذي تعانيه كييف، فإن استمرار الحرب بنفس الوتيرة الحالية قد يصبح أكثر صعوبة، لا سيما إذا ما تعرض الدعم الغربي لأي انتكاسات كبيرة. وعليه، فإن أي مفاوضات قادمة قد تكون مشروطة بقبول أوكرانيا لفكرة تقديم تنازلات مؤلمة، وهو ما تحاول حكومة زيلينسكي تجنبه حتى الآن.

من جهة أخرى، فإن التقارب المحتمل بين بوتين وترامب يثير قلق حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، إذ تخشى العواصم الأوروبية من أن أي مفاوضات سريعة قد تأتي على حساب مصالحها الاستراتيجية، خاصة وأنها ترى في الحرب الأوكرانية فرصة لإضعاف روسيا وكبح نفوذها الإقليمي. لهذا السبب، من المتوقع أن تضغط بعض الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا وفرنسا، من أجل أن تكون جزءاً أساسياً في أي مفاوضات مستقبلية، لتجنب فرض حلول قد تتعارض مع مصالحها الأمنية والسياسية.

التغير في السياسة الأمريكية المحتملة تجاه الحرب الأوكرانية قد يفتح الباب أمام روسيا لتحقيق مكاسب استراتيجية، خاصة إذا نجحت موسكو في استثمار الموقف الجديد لصالحها عبر تقديم نفسها كشريك دولي يبحث عن تسوية سلمية بدلاً من أن تكون طرفاً معزولاً في مواجهة الغرب. وقد يكون من مصلحة بوتين استغلال هذا الظرف لإعادة ترتيب علاقاته مع واشنطن، وتخفيف بعض العقوبات الاقتصادية، أو على الأقل تقليل العداء السياسي المتزايد بين موسكو والغرب.

في المقابل، لا يزال هناك الكثير من العوامل التي قد تعرقل تحقيق أي اتفاق سريع، فالنخبة السياسية في واشنطن منقسمة بشأن كيفية التعامل مع روسيا، والكونغرس قد يفرض قيوداً على أي تحركات من قبل ترامب إذا ما اعتبر أن سياسته تجاه موسكو تتسم بالتساهل المفرط. كما أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يزال يرفض أي تسوية لا تشمل استعادة الأراضي المحتلة، وهو ما يجعل أي مفاوضات مقبلة محفوفة بالعقبات والتعقيدات.

ختاماً، فإن الحديث عن إنهاء الحرب الأوكرانية عبر مفاوضات مباشرة بين بوتين وترامب لا يزال في مراحله الأولية، لكنه يشير إلى إمكانية حدوث تحولات كبرى في المشهد الدولي خلال الأشهر المقبلة. وإذا ما نجحت موسكو وواشنطن في التوصل إلى تفاهمات معينة، فإن ذلك قد يضع أوكرانيا وأوروبا أمام واقع جديد يتطلب إعادة تقييم استراتيجياتهما لمواجهة التحديات المقبلة.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!