Spread the love

تصاعدت الدعوات الدولية لتمديد الهدنة في غزة، مع اعتبارها فرصة نادرة لوقف نزيف الدم الذي أودى بحياة 14,800 فلسطيني وفق مصادر طبية محلية، في وقت يعاني فيه مئات الآلاف من النزوح والدمار الشامل. في هذا السياق، شدد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على ضرورة تمديد الهدنة وتحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، معتبرًا أن ذلك هو السبيل الوحيد للتحرك نحو حل سياسي شامل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

في المقابل، لا تزال إسرائيل، التي غابت عن اجتماع منتدى الاتحاد من أجل المتوسط في برشلونة، مترددة في الموافقة على وقف دائم لإطلاق النار، مفضلة الاستمرار في العمليات العسكرية ضد حماس. ورغم تأكيد بوريل أنه “لا شيء يمكن أن يبرر وحشية هجوم السابع من أكتوبر”، إلا أنه شدد على أن ذلك لا يمنح إسرائيل الحق في ارتكاب فظائع أخرى ضد المدنيين في غزة.

أحد أبرز نقاط الخلاف التي أثيرت خلال الاجتماع هو مستقبل الحكم في غزة بعد انتهاء الحرب. فبينما دعا الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع، رفض وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي هذا الطرح، مشيرًا إلى أن السلطة الفلسطينية “لم تغادر غزة أبدًا”، وأن لديها “60 ألف موظف مدني يعملون هناك”.

هذا التصريح يكشف عمق الانقسام الفلسطيني الداخلي، حيث لا يزال التنافس السياسي بين فتح وحماس يشكل عائقًا أمام أي حل مستدام، وسط مطالبات بضرورة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة في كيان سياسي موحد قادر على التفاوض من أجل تسوية سياسية نهائية.

الدكتور خالد الجبري، الباحث في الشؤون الفلسطينية، يرى أن “المعضلة الحقيقية ليست فقط في الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا في الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي جعل القضية الفلسطينية بلا قيادة موحدة قادرة على إدارة المرحلة القادمة بمرونة وفعالية”.

الدور العربي والإقليمي في إنهاء الحرب

في ظل تصاعد الضغط الدولي، تواصل قطر ومصر والولايات المتحدة جهودها لتمديد الهدنة، في محاولة لتجنب مجزرة جديدة بمجرد انتهاء وقف إطلاق النار. فقد حذر المالكي من أن استئناف الحرب سيؤدي إلى “مضاعفة عدد الشهداء”، نظرًا لأن غالبية سكان غزة أصبحوا محصورين في الجزء الجنوبي من القطاع.

السعودية، التي تحدث وزير خارجيتها فيصل بن فرحان في المنتدى ممثلًا لمجموعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، أكدت دعمها لفكرة تمديد الهدنة، لكن دون تقديم موقف حاسم حول كيفية ضمان وقف طويل الأمد لإطلاق النار.

الدكتور عبد الله المسعودي، الباحث في العلاقات الدولية، يعتبر أن “الدول العربية تحاول لعب دور الوسيط، لكنها تواجه تحديات كبيرة، خاصة مع استمرار التعنت الإسرائيلي، وعدم وجود موقف موحد بين الفصائل الفلسطينية”.

الموقف الإسرائيلي: بين إطالة أمد الحرب وحسابات الرهائن

رغم أن حماس أعربت عن استعدادها لتمديد الهدنة، فإن إسرائيل تربط أي تمديد بتقديم قائمة جديدة من الرهائن الذين يمكن الإفراج عنهم، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين. هذا يعني أن إسرائيل قد تستخدم قضية الرهائن كورقة ضغط لمواصلة عملياتها العسكرية بعد استعادة العدد الأكبر منهم.

المعضلة هنا أن الحكومة الإسرائيلية، التي تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، لا تزال غير مستعدة لقبول هدنة دائمة، خوفًا من أن يُنظر إليها على أنها “انهزام أمام حماس”، وهو ما قد يؤثر على مستقبل بنيامين نتنياهو السياسي، في ظل تصاعد الانتقادات الداخلية.

المسعودي يرى أن “نتنياهو في مأزق: فهو يريد تحقيق نصر عسكري على حماس، لكنه في الوقت نفسه يعلم أن الاستمرار في القتال سيؤدي إلى عزلة إسرائيل الدولية”.

على الرغم من انتقاداته الحادة لإسرائيل، إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ أي خطوات عملية للضغط على تل أبيب لوقف القتال. فبينما دعا بوريل إلى “كسر دوامة العنف”، لم تتطرق تصريحاته إلى إمكانية فرض عقوبات على إسرائيل أو اتخاذ إجراءات ملموسة للحد من استخدامها للقوة المفرطة ضد المدنيين.

إيدي كارمر، الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، يعتقد أن “الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى القدرة الحقيقية على التأثير في إسرائيل، لأنه لا يمتلك أدوات ضغط كافية، خاصة في ظل الدعم الأمريكي القوي لتل أبيب”.

مستقبل غزة بعد الحرب: احتلال جديد أم إدارة دولية؟

واحدة من القضايا المثيرة للجدل التي طُرحت في المنتدى كانت إمكانية استعمار غزة من جديد أو وضعها تحت إدارة دولية بعد الحرب. فقد أكد بوريل على ضرورة رفض أي محاولة إسرائيلية لإعادة احتلال القطاع، مشددًا على أن الحل الوحيد هو العودة إلى حل الدولتين، بحيث يتم إقامة دولة فلسطينية مستقلة تشمل الضفة الغربية وغزة.

لكن هذه الفكرة تواجه عراقيل كبيرة، خاصة مع تصاعد نبرة اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يدعو إلى إعادة السيطرة العسكرية على غزة، والقضاء التام على حكم حماس.

هنا يرى كارمر أن “إسرائيل لن توافق على أي تسوية تعيد الوضع في غزة إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر. هناك أصوات متزايدة داخل الحكومة الإسرائيلية تطالب بإقامة حكم عسكري مؤقت في غزة بعد الحرب”.

هل يمكن أن تصبح الهدنة دائمة؟

في ظل هذه التعقيدات، لا تزال إمكانية تحويل الهدنة الحالية إلى وقف دائم لإطلاق النار غير مؤكدة، حيث تعتمد على عدة عوامل، منها، موقف الولايات المتحدة، التي لم تتخذ بعد قرارًا حاسمًا بشأن الضغط على إسرائيل للقبول بوقف طويل الأمد للحرب. كذلك مدى قدرة قطر ومصر على إقناع الأطراف المتنازعة بتمديد الهدنة وإطلاق سراح المزيد من الرهائن. وأخيرا استعداد حماس والسلطة الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق سياسي مشترك بشأن مستقبل غزة.

لكن إذا استؤنفت الحرب، فمن المتوقع أن تكون تداعياتها كارثية، حيث ستزداد الضحايا المدنيين، وستدخل المنطقة في دائرة جديدة من العنف قد تمتد لسنوات.

رغم الأجواء الدبلوماسية التي سادت اجتماع منتدى الاتحاد من أجل المتوسط، إلا أن الواقع يشير إلى أن الهدنة الحالية قد لا تكون سوى استراحة مؤقتة قبل استئناف الحرب. وبينما تحاول الأطراف الدولية تجنب كارثة إنسانية جديدة في غزة، لا يزال القرار النهائي بيد إسرائيل وحماس، اللتين لم تصلا بعد إلى نقطة التوافق على تسوية نهائية.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن أن تتحول هذه الهدنة إلى اتفاق دائم، أم أننا أمام مرحلة جديدة من التصعيد الدموي الذي سيعيد المنطقة إلى نقطة الصفر؟

error: Content is protected !!