يعود الجدل مجدداً حول إمكانية فرض حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهذه المرة على لسان جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي صرح بأن الحل “يجب فرضه من الخارج” لأن الطرفين “لن يتمكنا أبداً من التوصل إلى اتفاق”. هذا الطرح يعكس الإحباط الأوروبي والدولي من تعثر مسار التسوية لعقود، لكنه يطرح تساؤلات جوهرية: هل يمكن حقاً فرض سلام على طرفين متنازعين بقوة السلاح والمصالح؟ وما مدى واقعية هذا الطرح في ظل المشهد الإقليمي والدولي المعقد؟
على مدى العقود الثلاثة الماضية، حاولت القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تقديم حلول مختلفة للصراع، بدءاً من اتفاق أوسلو (1993) إلى خارطة الطريق (2003) مروراً بمبادرات متعددة لم تؤدِّ إلى حل نهائي. في ظل هذا الفشل، يرى بوريل أن الحل لا يمكن أن يكون ذاتياً، بل يجب أن يأتي من تدخل خارجي حاسم.
طرح بوريل يشير إلى نهج يقوم على تدخل دولي مباشر لفرض تسوية، وهو ما يمكن تفسيره بثلاث طرق رئيسية: الضغط السياسي والاقتصادي؛ مثل فرض عقوبات على الطرفين أو تقييد المساعدات وفقاً للالتزام بمبادئ السلام. وكذلك التدخل الدبلوماسي القسري؛ عبر قرارات أممية حاسمة تفرض ترتيبات معينة على الطرفين. وأيضاً الوجود العسكري أو الأمني الدولي عبر نشر قوات حفظ سلام تفرض واقعاً جديداً على الأرض، كما حدث في مناطق نزاع أخرى.
لكن جميع هذه الخيارات تواجه تحديات ضخمة تتعلق بمدى قبولها من قبل الطرفين، ومدى استعداد المجتمع الدولي لتنفيذها بصرامة.
رغم دعوة بوريل إلى تدخل دولي واسع يشمل الولايات المتحدة والأوروبيين والعرب، فإن التباين في مواقف هذه الأطراف يجعل تنفيذ حل مفروض أمراً معقداً. فعلى سبيل المثال: الولايات المتحدة تظل ملتزمة بدعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً، ما يجعلها غير مستعدة لممارسة ضغوط كبيرة عليها. فيما الاتحاد الأوروبي يعاني من انقسامات داخلية حول طبيعة التدخل في القضية الفلسطينية، بين دول تؤيد حل الدولتين وأخرى تتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل. وأما
الدول العربية فهي منقسمة بين محور داعم للتطبيع مع إسرائيل، وآخر مؤيد للفلسطينيين، مما يجعل أي مبادرة عربية موحدة أمراً صعباً.
سواء لدى الإسرائيليين أو الفلسطينيين، أي حل يتم فرضه من الخارج سيواجه رفضاً واسعاً، حيث يرى كل طرف أن حقوقه التاريخية يجب أن تكون أساس أي حل. إسرائيل ترفض فكرة أي ضغوط دولية تُجبرها على تقديم تنازلات بشأن الاستيطان أو القدس أو حق العودة.
الفلسطينيون لن يقبلوا بحل يتم فرضه دون ضمان حقوقهم، خصوصاً بعد سنوات من تآكل الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال.
اغتيال القيادي في حركة حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت، يعيد خلط الأوراق مجدداً، حيث يزيد من احتمالية تصعيد إقليمي واسع النطاق. هذا النوع من العمليات العسكرية الإسرائيلية يضعف أي جهود ديبلوماسية، ويجعل فرض أي حل مسألة أكثر تعقيداً.
إذا لم يتمكن المجتمع الدولي من ممارسة ضغوط حقيقية، فقد تستمر الأوضاع على حالها، مع بقاء النزاع في حالة استنزاف مستمر، حيث يتم اللجوء إلى جولات تفاوض غير مجدية بين الحين والآخر.
إذا تصاعد الصراع إلى مستويات غير مسبوقة، قد تجد الأطراف الدولية نفسها مضطرة للتدخل بشكل أكثر جدية، عبر فرض هدنة طويلة الأمد، أو حتى ترتيب اتفاق جزئي مثل تهدئة طويلة أو حكم ذاتي محدود للفلسطينيين.
إذا حدث تغير كبير في موازين القوى الدولية، سواء من خلال تغير السياسة الأمريكية، أو تصاعد دور القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا في دعم القضية الفلسطينية، قد يؤدي ذلك إلى فرض واقع جديد يغير من طبيعة الحلول المطروحة.
تصريحات جوزيب بوريل تعكس إدراكاً دولياً بأن الحل الذاتي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أصبح شبه مستحيل، لكنه في الوقت ذاته، تطرح سؤالاً محورياً: هل يمكن فرض حل سياسي دون إرادة فعلية من الأطراف المعنية؟ في ظل انقسام الموقف الدولي، والتعقيدات الجيوسياسية، تبدو فكرة فرض الحل أشبه بحلم بعيد المنال ما لم تتغير المعادلة الإقليمية بشكل جذري. وحتى ذلك الحين، سيظل الصراع قائماً، رهينة لمعادلات القوة والمصالح المتشابكة، بانتظار لحظة قد تفرض فيها الظروف تسوية مختلفة عما شهدناه حتى الآن.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ