Spread the love

في الوقت الذي تواجه فيه الحياة البرية خطر الانقراض بوتيرة غير مسبوقة، بسبب فقدان الموائل الطبيعية والصيد الجائر والتغير المناخي، بدأ العلماء في البحث عن حلول تكنولوجية للمساعدة في حماية الأنواع المهددة. في هذا السياق، ظهر الذكاء الاصطناعي كأداة جديدة قد تغير شكل الجهود البيئية، حيث يتم استخدامه في تتبع الحيوانات، وتحليل البيانات البيئية، ومكافحة الصيد غير القانوني، وحتى التنبؤ بالتهديدات المستقبلية. لكن رغم التفاؤل المحيط بهذه التقنية، يبقى السؤال: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح المنقذ الحقيقي للحياة البرية، أم أنه مجرد أداة إضافية في معركة غير متكافئة ضد التدهور البيئي؟

أحد أكثر التطبيقات الواعدة للذكاء الاصطناعي في حماية الحياة البرية هو الرصد الذكي للحيوانات المهددة بالانقراض. تعتمد هذه التقنية على استخدام كاميرات مزودة بتقنيات التعرف على الوجه والتعلم العميق، والتي تقوم بالتقاط صور للحيوانات في بيئاتها الطبيعية، ثم تحليلها تلقائيًا لتحديد الأنواع وأعدادها وسلوكياتها. هذا يساعد الباحثين في تتبع التغيرات في أعداد الأنواع المهددة، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة لحمايتها.

في إفريقيا، يتم استخدام الطائرات بدون طيار المزودة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة المناطق المحمية ورصد عمليات الصيد الجائر، حيث تستطيع هذه الطائرات التعرف على تحركات الصيادين غير القانونيين عبر تحليل أنماط السلوك في الغابات والمراعي المفتوحة. في بعض المحميات، نجحت هذه التقنية في تقليل عمليات الصيد الجائر بنسبة تصل إلى 50%، وفقًا لتقرير نشرته منظمة الصندوق العالمي للطبيعة (WWF).

أما في مجال التنبؤ بالكوارث البيئية، فيتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الجوية والتغيرات البيئية لرصد أنماط التحولات المناخية التي قد تؤثر على الموائل الطبيعية للحيوانات. هذا النوع من التنبؤ يمكن أن يساعد في اتخاذ إجراءات استباقية، مثل نقل بعض الأنواع إلى مناطق أكثر أمانًا، أو وضع استراتيجيات لإعادة تأهيل المناطق المتضررة.

الصيد الجائر: كيف يغير الذكاء الاصطناعي قواعد اللعبة؟

على الرغم من القوانين التي تحظر الصيد غير القانوني في العديد من الدول، لا تزال هذه الظاهرة تشكل خطرًا كبيرًا على العديد من الأنواع، خاصة في إفريقيا وآسيا، حيث يتم اصطياد الفيلة ووحيد القرن والبانغولين من أجل العاج والقرون التي تُباع في السوق السوداء بأسعار باهظة.

للتصدي لهذا التحدي، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة مراقبة تعتمد على تحليل البيانات الضخمة، حيث يتم دمج صور الأقمار الصناعية مع بيانات الحركة على الأرض لاكتشاف الأنشطة المشبوهة في المناطق البرية النائية. بعض المحميات الطبيعية في كينيا وجنوب إفريقيا بدأت في استخدام هذه التقنية للكشف عن تحركات المركبات المجهولة بالقرب من المحميات، مما يساعد على إرسال فرق حماية الحياة البرية إلى المناطق المستهدفة بسرعة أكبر.

يقول الدكتور طارق المنصوري، الباحث في البيولوجيا الحفظية بجامعة الرباط، إن “الذكاء الاصطناعي يمنحنا فرصة ذهبية لرصد وتحليل الأنشطة غير القانونية التي تهدد الحياة البرية، لكن التحدي الحقيقي هو في القدرة على تطبيق هذه التكنولوجيا في المناطق التي تعاني من نقص في البنية التحتية”.

مع تفاقم التغير المناخي، أصبحت بعض الأنواع الحيوانية أكثر عرضة لخطر الانقراض بسبب فقدان الموائل الطبيعية وارتفاع درجات الحرارة. هنا، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا رئيسيًا في التنبؤ بتأثيرات المناخ على التنوع البيولوجي.

في أستراليا، على سبيل المثال، يتم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المناخية والتنبؤ بحدوث حرائق الغابات التي قد تهدد الحيوانات المحلية مثل الكوالا والكنغر. في الأمازون، تستخدم تقنيات مماثلة لتقييم تأثيرات إزالة الغابات على النظم البيئية، ما يساعد في توجيه السياسات البيئية للحفاظ على المناطق الحرجة.

يؤكد الدكتور حسام الكواري، أستاذ المناخ البيئي بجامعة الدوحة، أن “القدرة على التنبؤ بالمخاطر البيئية من خلال الذكاء الاصطناعي تمنح العلماء فرصة للتصرف قبل حدوث الكوارث، لكنها تتطلب تعاونًا دوليًا وتمويلًا مستدامًا لضمان استمرارية هذه الجهود”.

الذكاء الاصطناعي مقابل الحلول التقليدية: أيهما أكثر فاعلية؟

رغم أن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات قوية لحماية الحياة البرية، إلا أنه لا يمكن أن يكون الحل الوحيد. بعض الخبراء يحذرون من أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا قد يؤدي إلى إهمال الحلول التقليدية التي تعتمد على التوعية المحلية، وتقوية القوانين البيئية، وزيادة دور المجتمعات المحلية في حماية الأنواع المهددة.

في العديد من الدول، يتم تحقيق نجاحات كبيرة من خلال التعاون مع السكان الأصليين والمزارعين، حيث يتم إشراكهم في برامج حماية البيئة مقابل منحهم حوافز اقتصادية. في كينيا، على سبيل المثال، نجحت برامج السياحة البيئية في تحويل المجتمعات المحلية إلى حماة للحياة البرية، مما أدى إلى تقليل عمليات الصيد الجائر بشكل كبير.

يقول الدكتور نزار الخطيب، الباحث في إدارة التنوع البيولوجي بجامعة تونس، إن “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية، لكنه لا يمكن أن يحل محل الحلول التقليدية التي تعتمد على الجهود البشرية. التحدي الأكبر هو دمج التكنولوجيا مع العمل الميداني لتحقيق أقصى فائدة”.

في ظل تزايد معدلات الانقراض وفقدان التنوع البيولوجي، أصبح من الواضح أن العالم بحاجة إلى حلول جديدة لمواجهة هذه التحديات. الذكاء الاصطناعي قد يكون جزءًا من الإجابة، لكنه ليس الحل الوحيد. بدون سياسات بيئية صارمة، وتمويل مستدام، وتعاون عالمي، قد تظل التكنولوجيا مجرد أداة ذات إمكانيات غير مستغلة.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح ثورة حقيقية في مجال الحفاظ على الحياة البرية، أم أنه مجرد أمل زائف لا يمكن الاعتماد عليه؟ الجواب يعتمد على مدى استعداد الحكومات والمجتمعات للاستثمار في هذه التقنيات، ودمجها بفعالية مع الجهود التقليدية لحماية الأنظمة البيئية التي يعتمد عليها العالم بأسره.

error: Content is protected !!