توفي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، وهو حدث يمثل تطورًا استثنائيًا في المشهد السياسي الإيراني، إذ يضع النظام أمام اختبار مزدوج: إدارة انتقال السلطة وفقًا للأطر الدستورية، وضبط التوازن الداخلي في ظل تعقيدات سياسية واقتصادية وأمنية متزايدة.
لا شك أن إيران تمتلك آليات دستورية واضحة للتعامل مع وفاة الرئيس، إلا أن هذا الحدث لا يقتصر على كونه مجرد تغيير في القيادة التنفيذية، بل يمثل نقطة تحول قد تترك آثارًا عميقة على السياسة الداخلية والخارجية لطهران.
يحدد الدستور الإيراني في مادته 131 آلية التعامل مع وفاة أو عجز الرئيس، حيث يتولى النائب الأول محمد مخبر مهام الرئاسة بتأييد من المرشد الأعلى علي خامنئي. وفي غضون 50 يومًا، يجب تنظيم انتخابات جديدة لاختيار رئيس جديد، وهو ما يُرجح إجراؤه في يوليو 2024 بدلًا من موعده الطبيعي في 2025.
لكن السؤال الأهم؛ هل سيكون الانتقال سلسًا كما ينص عليه الدستور، أم أن هناك قوى متنافسة ستسعى إلى تعزيز نفوذها؟ وهل يمكن أن يستغل الحرس الثوري الفراغ الرئاسي لتعزيز هيمنته؟ وهل ستؤثر وفاة رئيسي على الاستقرار السياسي الداخلي، خاصة في ظل تصاعد التحديات الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية؟
المرشد الأعلى علي خامنئي يظل الشخصية الأقوى في النظام السياسي الإيراني، ومن غير المتوقع أن تخرج الانتخابات عن إطار السيطرة المحكمة من قبل النخبة السياسية والدينية. ولكن، قد يشهد المشهد تنافسًا حادًا بين التيارات المحافظة والمتشددة، خاصة داخل المؤسسة العسكرية والسياسية.
رئيسي لم يكن مجرد رئيس، بل كان شخصية بارزة في التيار المحافظ المتشدد، وكان يُنظر إليه كأحد المرشحين لخلافة علي خامنئي في منصب المرشد الأعلى. وفاته تترك فراغًا قد يُعيد توزيع النفوذ بين الحرس الثوري، ورجال الدين في قم، والمؤسسة السياسية المحافظة.
الاقتصاد الإيراني يمر بمرحلة أزمة خانقة بسبب العقوبات الغربية، وتدهور قيمة الريال، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية. لم يكن رئيسي شخصية اقتصادية بارزة، ومع ذلك، فإن رحيله قد يدفع شخصيات ذات توجهات مختلفة إلى الصعود، ما قد ينعكس على شكل السياسات الاقتصادية في المرحلة المقبلة.
الانتخابات المقبلة قد تكون فرصة لبعض الشخصيات الإصلاحية لإعادة تقديم نفسها، لكن من غير المرجح أن تسمح القيادة الحاكمة بأي تغيير جذري.
كانت سياسة رئيسي متشددة تجاه الغرب، مع التركيز على تعزيز العلاقات مع روسيا والصين. رحيله قد يفتح الباب لتغييرات طفيفة في أسلوب التفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا حول الملف النووي، لكن ليس بالضرورة في جوهر السياسات.
محور المقاومة (حزب الله، الحوثيون، الفصائل العراقية، والنظام السوري) يعتمد بشكل أساسي على دعم طهران، لكن استمرارية هذه العلاقة لا تتوقف على شخص الرئيس بل على توجيهات المرشد والحرس الثوري. وقد نشهد إعادة ترتيب الأولويات، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة (التصعيد مع إسرائيل، ودور إيران في البحر الأحمر، والعلاقات مع السعودية والخليج).
بوتين وبكين فقدا شخصية رئيسية في العلاقة معهما، لكن أي رئيس قادم سيحافظ على نفس التوجه العام، لأن السياسة الخارجية الإيرانية تُصاغ في مكتب المرشد الأعلى وليس في القصر الرئاسي.
رغم أن النظام يمتلك آليات دستورية وسياسية لاستيعاب هذه الصدمة، إلا أن هناك عوامل قد تجعل فترة ما بعد رئيسي محفوفة بالتحديات:
هل يكون هناك صراع داخلي بين الحرس الثوري، ومكتب خامنئي، والقوى السياسية المحافظة على من سيخلف رئيسي؟
هل سيُستغل الحدث من قبل المعارضة الداخلية لإعادة تحريك الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية؟
كيف سيتعامل البرلمان والقضاء والحرس الثوري مع الفترة الانتقالية؟
وفاة رئيسي تفتح مرحلة انتقالية قد تعيد ترتيب موازين القوى داخل النظام الإيراني، لكنها لن تُحدث تغييرات جذرية في المسار العام، حيث ستبقى القرارات الاستراتيجية الكبرى بيد المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري.
لكن تبقى هناك أسئلة مفتوحة حول المرحلة المقبلة، فهل يستغل الإصلاحيون هذا الحدث للعودة إلى المشهد؟ وهل تكون الانتخابات المقبلة ساحة لمعركة صامتة بين أجنحة النظام؟ وهل تسرّع وفاة رئيسي من ترتيبات خلافة خامنئي؟
الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف كيف سيتعامل النظام الإيراني مع هذا الحدث، وما إذا كان سيبقى مجرد تغيير في الوجوه، أم أنه سيكون بداية تحولات سياسية أكثر عمقًا.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ