الخميس. أكتوبر 17th, 2024

حقوق المرأة العراقية في مرمى التحديات: لماذا يجب رفض التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية؟

Iraqi lawmakers attend a parliamentary session to vote on the federal budget at the parliament headquarters in Baghdad, Iraq, June 11, 2023. Iraqi Parliament Media Office/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY

التعديلات المقترحة التي تُخفِّض سن الزواج إلى أقل من 18 عامًا تُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفل وحقوق المرأة، فالزواج المبكر يقوّض فرص الفتيات في التعليم والعمل، ويدفعهن إلى دوامة من التبعية الاقتصادية والاجتماعية. 

لقد أثارت تلك التعديلات؛ انتقادات منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل “هيومن رايتس ووتش”، التي أكدت أن هذه التعديلات تشكل انتهاكًا واضحًا لعدد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). هذه المنظمات حذرت من أن التعديلات ستؤدي إلى تطبيع زواج الأطفال وتقويض حقوق المرأة، مما سيؤثر بشكل خطير على التقدم الاجتماعي الذي حققته العراق في السنوات الأخيرة

وبسبب الضغط المتزايد من قبل منظمات المجتمع المدني والاحتجاجات الواسعة، اضطرت الحكومة العراقية مؤخرا إلى تأجيل جلسة القراءة الثانية لتعديلات القانون في البرلمان. هذا التأجيل جاء بعد محاولات لعرقلة التصويت على التعديلات عبر كسر النصاب القانوني للجلسة، وهو ما يعكس حجم المعارضة الواسعة للتعديلات المقترحة داخل وخارج البرلمان.

في المجتمع العراقي الذي يعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، فإن تشريع الزواج المبكر لا يحل المشاكل بل يزيدها تعقيدًا. في حين فإن المنظمات النسوية ترى في هذه التعديلات استغلالًا لفتيات صغيرات تحت غطاء التشريع، مما يحرمهن من طفولتهن وحقهن في اختيار مستقبلهن.

الولاية الذكورية: تهديد لاستقلالية المرأة وتقويض لحقوقها الأسرية

فيما يخص تسهيل تعدد الزوجات، فإن هذه الخطوة لا تمثل فقط إهانة لكرامة المرأة، بل تُعد أيضًا خيانة للحقوق التي كافحت النساء العراقيات لتحقيقها. تعدد الزوجات يُعزز من الفجوة بين الجنسين ويُكرس الهيمنة الذكورية في الأسرة، مما يؤدي إلى تفاقم حالات الظلم والتهميش التي تعاني منها النساء. المنظمات النسوية ترفض هذا التعديل بشدة، لأنه يعزز من الثقافة الذكورية التي تُقلل من قيمة المرأة وتُضعف مكانتها في المجتمع.

منح الولاية الذكورية المزيد من القوة والصلاحيات في القرارات الأسرية يُشكل خطرًا كبيرًا على استقلالية المرأة ويضعف من قدرتها على اتخاذ قرارات تخص حياتها وحياة أطفالها. هذا التعديل يتناقض مع مبادئ المساواة ويُعيد المرأة إلى دور التبعية، مما يُعد تراجعًا عن المكاسب التي تحققت في الماضي. من منظور نسوي، هذه التعديلات تمثل انتكاسة في مسيرة تمكين المرأة وتقييدًا لحريتها وحقوقها الأساسية.

في العراق، تُعد “الولاية الذكورية” من الأعمدة الأساسية التي تدعم النظام الأسري التقليدي، حيث يتمتع الرجال بسلطات قانونية واجتماعية على النساء في مختلف جوانب الحياة. يتجلى هذا المفهوم في العديد من القوانين والممارسات التي تضع المرأة في موقف ضعيف عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات حيوية تخص حياتها وحياة أطفالها.

على سبيل المثال، في بعض مناطق العراق، تُمنح الرجال سلطة اتخاذ القرارات بشأن زواج بناتهم أو أخواتهم، بما في ذلك تحديد توقيت الزواج والشخص الذي ستتزوج به المرأة. هذا الدور يتعزز من خلال القوانين العشائرية والتقاليد الاجتماعية التي تُعطي للرجال حق التحكم في قرارات الأسرة.

في حالات الطلاق أو النزاعات الأسرية، قد يُطلب من المرأة الحصول على موافقة ولي أمرها الذكر لإتمام بعض الإجراءات القانونية، مما يقيد حريتها في اتخاذ قرارات مستقلة. هذا النظام يعزز الفكرة التقليدية بأن المرأة بحاجة إلى حماية وإشراف دائمين من الرجل، مما يعزز الهيمنة الذكورية ويضعف من استقلالية المرأة.

مع التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية في العراق، هناك مخاوف متزايدة من أن هذه الولاية قد تتعزز أكثر، مما يعيد النساء إلى وضع أكثر تبعية ويحد من قدرتها على التحكم في حياتها الشخصية والاجتماعية.

التبعات المحتملة لهذه التعديلات ستكون كارثية على المجتمع العراقي، حيث سيؤدي تطبيقها إلى تدهور المؤشرات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة وحقوق الإنسان، ويُفاقم من معدلات العنف الأسري والتفكك الاجتماعي. المنظمات النسوية ترى في هذه التعديلات تهديدًا مباشرًا لسلامة واستقرار المجتمع، حيث أن تقييد حقوق المرأة يؤدي بشكل حتمي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

في خضم الجدل المستمر حول التعديلات المقترحة، تتجلى في الساحة قصص إنسانية مؤلمة تكشف عن التداعيات الحقيقية التي قد تتسبب فيها هذه التعديلات إذا ما تم إقرارها. خلف الأرقام والإحصاءات، هناك حياة نساء وفتيات يتعرضن لخطر فقدان حقوقهن الأساسية، ويُجبرن على التعايش مع قوانين قد تعيدهن إلى أدوار تقليدية تقيّد حرياتهن وتضعف مكانتهن في المجتمع.

هذه القصص ليست مجرد حالات فردية، بل هي انعكاس لمخاوف حقيقية يعيشها قطاع واسع من النساء العراقيات اللواتي ناضلن لعقود من أجل تحقيق العدالة والمساواة. إن التعديلات المقترحة لا تهدد فقط حقوقهن القانونية، بل تضع حياة ومستقبل آلاف النساء والفتيات على المحك. ومن خلال تسليط الضوء على هذه القصص، نسعى إلى إبراز الأصوات التي غالبًا ما تُغفل في النقاشات السياسية، والتأكيد على أهمية رفض هذه التعديلات من أجل حماية حقوق المرأة وضمان مستقبل أكثر عدلاً ومساواة في العراق.

سعاد (اسم مستعار)، فتاة من إحدى القرى الجنوبية في العراق، أُجبرت على الزواج في سن 13 عامًا بناءً على ضغوط من عائلتها وتحت رعاية رجل دين محلي. على الرغم من صغر سنها، تم إجبارها على تحمل مسؤوليات كبيرة تتعلق بالزواج والأمومة، مما أثر بشكل سلبي على صحتها الجسدية والنفسية. لم تتمكن سعاد من مواصلة تعليمها، وأصبحت عالقة في زواج لا يحترم حقوقها كطفلة ولا يوفر لها الحماية القانونية. الآن، بعد مرور عدة سنوات، تحاول سعاد التحدث علنًا ضد التعديلات المقترحة التي قد تؤدي إلى شرعنة مثل هذه الممارسات على نطاق أوسع. قصتها تبرز المخاطر الحقيقية التي تواجه الفتيات في حال تمرير التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية.

بينما هدى (اسم مستعار)، امرأة عراقية في منتصف الثلاثينات، فقد واجهت تحديات قانونية كبيرة بعد طلاقها من زوجها. على الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية الحالي يمنحها حقوق الحضانة لأطفالها، إلا أنها وجدت نفسها في صراع قانوني مع عائلة زوجها الذين استغلوا علاقاتهم مع رجال الدين المحليين للتأثير على قرارات المحكمة. بعد معركة قانونية طويلة، تمكنت هدى من الاحتفاظ بحقوق الحضانة بفضل الدعم الذي تلقته من منظمات حقوق المرأة. ولكنها تعبر عن خوفها من أن التعديلات المقترحة ستجعل مثل هذه المعارك أكثر صعوبة، وستضع الأمهات في وضع أضعف قانونيًا، مما قد يؤدي إلى فقدانهن حقوقهن في حضانة أطفالهن.

السياق التاريخي يشير إلى أن العراق كان دائمًا رائدًا في تبني سياسات تقدمية تجاه حقوق المرأة، وكانت النساء العراقيات من بين الأكثر تعليمًا وتمكينًا في المنطقة العربية. التراجع عن هذه المكتسبات لا يمثل فقط خيانة لنضالات المرأة العراقية، بل يُعد أيضًا تهديدًا لسمعة العراق على الساحة الدولية. أي تراجع في حقوق المرأة سيُقابل بإدانة دولية وسيؤدي إلى تدهور مكانة العراق في المجتمع الدولي، مما قد يُعرضه لعقوبات وتقليص للمساعدات الدولية.

تشكل التعديلات المقترحة انتهاكًا واضحًا للدستور العراقي، الذي يضمن المساواة بين جميع المواطنين ويحمي حقوق المرأة. يجب على المشرعين العراقيين التوقف عند هذه النقطة الأساسية، إذ أن تمرير هذه التعديلات سيكون بمثابة تراجع خطير عن المبادئ الدستورية التي تأسس عليها العراق الجديد. نؤكد على ضرورة الحفاظ على الدستور كضامن لحقوق جميع العراقيين، وندعو إلى رفض أي تشريع يتعارض مع مبادئ المساواة والعدالة المنصوص عليها في الدستور.

يرى الدكتور أحمد الربيعي، الخبير القانوني والأستاذ في القانون الدستوري، خلال حديثه لـ”شُبّاك” أن التعديلات المقترحة تشكل انتهاكًا واضحًا للدستور العراقي، الذي يضمن المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز على أساس الجنس أو الدين. “التعديلات المقترحة لا تتعارض فقط مع المبادئ الدستورية، بل تفتح الباب أمام تفسيرات دينية متشددة قد تؤدي إلى تقييد حقوق النساء والأطفال بشكل غير مبرر. يجب أن يكون هناك احترام أكبر للمبادئ القانونية الحديثة التي تضمن حقوق الإنسان، وليس العودة إلى تشريعات تكرس التمييز.”

التبعات الاجتماعية للتعديلات: تدهور المؤشرات وتفاقم الأزمات

في ظل هذه التطورات، يجب على المنظمات النسوية تعزيز جهودها لرفض هذه التعديلات والضغط على الحكومة للتراجع عنها. من الضروري أن تتكاتف الأصوات النسوية مع الحركات الحقوقية لرفع مستوى الوعي بخطورة هذه التعديلات على المجتمع ككل، وليس فقط على النساء. يجب استخدام جميع الوسائل الإعلامية والسياسية للتأكيد على أن حقوق المرأة هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وأن أي مساس بها يُعد انتهاكًا للقيم الإنسانية الأساسية.

يجب التأكيد على أن التعديلات المقترحة لا تتعارض فقط مع حقوق المرأة، بل تتعارض أيضًا مع الدستور العراقي الذي يضمن المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الجنس. الدستور العراقي، المعتمد بعد 2003، يُعد وثيقة تقدمية تضمن حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص. أي تعديل على قانون الأحوال الشخصية يجب أن يكون متوافقًا مع هذه المبادئ الدستورية، وإلا فإنه يمثل انتهاكًا للدستور وللأسس التي بُني عليها العراق الجديد.

علاوة على ذلك، تُشكل التعديلات تهديدًا للاستقرار الاجتماعي في العراق. حقوق المرأة ليست مجرد قضية فردية؛ فهي أساس استقرار الأسرة والمجتمع ككل. عندما تُسلب المرأة حقوقها القانونية، يتعرض النسيج الاجتماعي بأسره للتمزق. يجب النظر إلى هذه التعديلات من منظور أشمل، حيث إنها تُضعف قدرة المرأة على المشاركة الفاعلة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مما ينعكس سلبًا على التنمية الشاملة للمجتمع العراقي.

هذا وتعبّر الأستاذة ليلى الحسني، المحامية والناشطة في حقوق المرأة، خلال حديثها لـ”شُبّاك” عن قلقها من أن التعديلات المقترحة ستؤدي إلى زيادة حالات الزواج المبكر وتعدد الزوجات بدون ضوابط قانونية صارمة. “هذه التعديلات تعيد النساء إلى أدوار تقليدية تضعهن تحت هيمنة الرجال، مما ينتهك حقوقهن الأساسية. نحن بحاجة إلى قوانين تحمي المرأة وتضمن لها مكانتها في المجتمع، وليس قوانين تساهم في قمعها وتهميشها.” ليلى تؤكد على ضرورة رفض هذه التعديلات والدعوة إلى إصلاحات تعزز حقوق المرأة بدلاً من تقويضها.

الجدير بالذكر بأن مدنا عراقية مثل بغداد والبصرة وأربيل شهدت مظاهرات قادتها منظمات حقوق المرأة والمجتمع المدني احتجاجًا على التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية. هذه التعديلات، التي تشمل السماح بزواج القاصرات وإعطاء رجال الدين سلطة أكبر على قضايا الزواج والطلاق. في أربيل، على سبيل المثال، اجتمعت نساء وناشطات سياسيات أمام البرلمان المحلي رافعات لافتات تعبر عن رفضهن لهذه التعديلات، واصفات إياها بأنها تراجعية وتنتهك حقوق الإنسان.

التراجع عن المكتسبات تهديد للسمعة الدولية

تُسهم التعديلات المقترحة في تعزيز ثقافة العنف والتمييز ضد المرأة. عندما تُشرع قوانين تتيح الزواج المبكر وتعدد الزوجات بدون ضوابط صارمة، فإنها تخلق بيئة تُشجع على استغلال النساء والفتيات. هذه التعديلات ترسل رسالة خاطئة بأن حقوق المرأة قابلة للتفاوض أو التراجع، مما يُقوي منطق السيطرة الذكورية ويُضعف مكانة المرأة في المجتمع.

من جهة أخرى، تؤثر هذه التعديلات سلبًا على صورة العراق على الصعيد الدولي. في وقت يسعى فيه العراق لإعادة بناء علاقاته الدولية وتعزيز صورته كدولة تحترم حقوق الإنسان، تأتي هذه التعديلات كضربة لهذه الجهود. المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، يراقب عن كثب التطورات في مجال حقوق المرأة. تمرير هذه التعديلات قد يؤدي إلى عزل العراق دوليًا وتقليص الدعم الدولي في مجالات متعددة، بما في ذلك المساعدات الاقتصادية والتنموية.

هذا وقد كانت السفارة الأمريكية في بغداد قد أعربت عن قلقها بشأن هذه التعديلات، داعية إلى ضرورة احترام حقوق المرأة والطفل وعدم السماح بتشريعات تراجعية تؤثر سلبًا على النسيج الاجتماعي في العراق. هذه الانتقادات أثارت ردود فعل غاضبة من بعض القادة الدينيين والسياسيين المؤيدين للتعديلات، الذين وصفوا التدخلات الخارجية بأنها انتهاك للسيادة العراقية.

إن العلاقات الدولية للعراق تمر باختبار حاسم، حيث قد يؤدي تمرير التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية إلى تدهور علاقاته مع الدول التي تدعم حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. إن تجاهل المعايير الدولية والالتزامات التي وقع عليها العراق سيعرض البلاد لعقوبات دبلوماسية واقتصادية محتملة، وقد يؤدي إلى تقليص المساعدات الدولية والدعم التنموي. يجب على صناع القرار العراقيين إدراك أن هذه التعديلات لا تمس فقط بالشأن الداخلي، بل تؤثر أيضًا على سمعة العراق ومكانته الدولية.

من المهم أيضًا الإشارة إلى أن هذه التعديلات لا تعكس الإرادة الشعبية بشكل دقيق. هناك شريحة واسعة من المجتمع العراقي، بما في ذلك رجال الدين المعتدلين، تعارض هذه التعديلات وترى فيها تراجعًا عن القيم الإسلامية التي تدعو إلى العدل والإنصاف. من الضروري أن تستمع الحكومة إلى هذه الأصوات وتُعيد النظر في هذه التعديلات بما يتماشى مع روح العدالة والمساواة.

وفي خضم النقاشات حول التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية في العراق، من المفيد إلقاء نظرة على تجارب دول أخرى واجهت تحديات مماثلة فيما يتعلق بتعديل قوانين الأسرة. هذه التجارب ليست مجرد أمثلة بعيدة، بل تُظهر كيف يمكن للتعديلات القانونية المثيرة للجدل أن تؤدي إلى احتجاجات واسعة ورفض شعبي عارم، خاصة عندما تكون هذه التعديلات تهدد المكتسبات القانونية والاجتماعية التي تحققت بعد نضالات طويلة. من تونس إلى المغرب، ومن مصر إلى دول أخرى في المنطقة، كانت هناك مواجهات حاسمة بين السلطات والمجتمع المدني حول قضايا مماثلة. تسلط هذه التجارب الضوء على المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه التعديلات، وتقدم دروسًا هامة يمكن الاستفادة منها في السياق العراقي الحالي.

في عام 2017، قدم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مقترحًا لتعديل قوانين الأحوال الشخصية لتعزيز حقوق المرأة، بما في ذلك المساواة في الميراث بين الجنسين. هذا المقترح أثار جدلًا واسعًا في تونس بين مؤيدين يرون فيه خطوة تقدمية نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، ومعارضين يعتبرونه انتهاكًا للشريعة الإسلامية. على الرغم من الدعم الكبير من قبل المنظمات النسوية والمجتمع المدني، واجهت هذه التعديلات مقاومة شديدة من قبل الجماعات الدينية المحافظة. ورغم الجدل، تمكنت تونس من دفع التعديلات إلى الأمام مما يعكس التوازن بين القيم الدينية والحقوق المدنية .

وفي عام 2003، اقترحت الحكومة المغربية إصلاحات واسعة في قانون الأحوال الشخصية المعروف بـ”مدونة الأسرة”. هذه التعديلات كانت تهدف إلى تحسين وضع المرأة، بما في ذلك رفع سن الزواج، وتقييد تعدد الزوجات، وتعزيز حقوق المرأة في الطلاق وحضانة الأطفال. التعديلات أثارت موجة من الاحتجاجات من قبل التيارات الدينية المحافظة التي اعتبرت أن التعديلات تتعارض مع الشريعة الإسلامية. مع ذلك، وبفضل الدعم القوي من قبل المجتمع المدني والحركات النسوية، تم تمرير التعديلات في البرلمان عام 2004، مما شكل تقدمًا كبيرًا في حقوق المرأة في المغرب .

أما في مصر وفي عام 2019 فقد برزت احتجاجات واسعة ضد مقترحات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، حيث كانت التعديلات تهدف إلى تعزيز بعض الحقوق الدينية للأزواج، مما أثار مخاوف بشأن تأثيرها على حقوق النساء والأطفال. المنظمات النسوية وحقوق الإنسان اعترضت على التعديلات المقترحة، معتبرة أنها تكرس التمييز ضد المرأة وتعود بها إلى الوراء. وعلى الرغم من الضغوط من المجتمع المدني، واجهت الحكومة صعوبة في تمرير التعديلات في ظل الرفض الشعبي القوي والانتقادات الدولية .

دور المنظمات النسوية: ضرورة تكثيف الجهود لرفض التعديلات المقترحة

يمكن القول إن المنظمات النسوية في العراق تواجه تحديًا كبيرًا في هذا الوقت الحرج. التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة هذه المنظمات على الحشد والدفاع عن حقوق المرأة في مواجهة تيار محافظ يسعى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. يجب أن تواصل هذه المنظمات نضالها بلا كلل، مستخدمة كل الوسائل الممكنة، من المظاهرات السلمية إلى الضغط السياسي والدبلوماسي، لضمان حماية حقوق المرأة وإلغاء هذه التعديلات التي لا تخدم إلا العودة إلى ممارسات قديمة تجاوزها الزمن.

هذا النضال يتطلب أيضًا تضافر الجهود مع المنظمات الدولية والإقليمية التي تدعم حقوق المرأة، لتشكيل جبهة موحدة ضد هذه التعديلات. الدفاع عن حقوق المرأة في العراق هو قضية تتجاوز الحدود الوطنية، لأنها تمثل جزءًا من النضال العالمي من أجل المساواة والعدالة.

نحث في هذه الورقة جميع منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني على تنظيم حملة دولية مشتركة تهدف إلى زيادة الوعي بالتهديدات التي تواجه حقوق المرأة في العراق بسبب التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية. يجب أن تشمل هذه الحملة تقديم التماسات إلى الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة، والدعوة إلى اتخاذ إجراءات دبلوماسية تضغط على الحكومة العراقية للتراجع عن هذه التعديلات. يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية العالمية لنشر رسائل الحملة وضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المؤيدين حول العالم.

Related Post